أتذكر مرة أني رأيت برنامجا تلفزيونيا حال مروري السريع وكان المذيع يسأل بعض مرتادي " المولات " وممن تبدو عليهم الثقافة، كان يسألهم عن بعض الدول العربية أين تقع ...بالطبع هو لم يسأل عن جزر القمر !...كان سؤاله غبيا كفاية ليظهر عمق ما نعيشه كان عن أين تقع مصر أو هل تعرف دولة باسم مصر ...لم يكن السؤال موجه لكبار سن لم يتلقوا تعليما ولا يحسنون تحديد أطراف هذه الأرض ...لكنه موجه لشباب عشريني وشابات صغيرات ...لم أصدق أن هذا حقيقي وظننتُ الأمر فيه خدعة ما لكن اتضح أنها حقيقة مرة نعيشها ...لو أن المذيع سأل عن ماركة معينة أو عن لاعب كرة قدم لأجابوه ! ...المشكلة تتلخص فينا وببساطة " جهل مركب " ولستُ أتحدث عن جهل بالثقافة بل انعدام الانتماء بما حولنا ...انغماسنا بالتفاصيل المادية وانعدام أن تكون لنا رؤية واضحة
في المول الأقرب لنا يقبع في الزاوية صندوق لجمع أموال لمساندة فلسطين وآخر لمرضى السرطان...ويبقيان ولفترة طويلة خاليا الوفاض ...حال مناقشتك لأحد يردون أن الأحوال المادية صعبة والناس لا تجد قوت يومها ...وسلسلة من مرادفات التذمر ...وإن ذكرتهم بأن " أتقِ النار ولو بشق تمره "...بدت على وجوههم ابتسامة صفراء لا تستطيع فهمها ... أكاد أصدق بعض التبريرات لكن واقع الحال بعدها يوضح عكس ذلك فما أن تدخل لقاعة الطعام سيشنف مسمعك التفصيل العجيب لقائمة الطعام والتحذلق في شرح الفرق بينها حينها ستتبدل الابتسامة الصفراء حال دفع المال للنادل بابتسامة سعيدة !
المشكلة أن المسلمون لا يعلمون أن مساندتهم لمن هم بحاجتهم وخاصة ممن هم على خط المواجهة ...ليس أمرا اختياريا وليس تفضلا من حضراتهم...الجهاد أمر واجب وبما أننا تقاعسنا عن الجهاد بالنفس فالمال أقل ما يمكن تقديمه كل بقدر ما يستطيع...
أصبحنا وأصبح الملك لله !
هذا ما قلته حال سماعي خبر سفن الحرية قبل قليل ...بقدر ما آلمني ما حصل...وبقدر ما شعرت بالغصة مما حدث
لكني شعرت بالفخر أن لا زال على هذه الأرض من يحمل قيما إنسانية...أن لازال من يحمل هم الآخر ويشعر بعوزه...ويناضل لأجل إنقاذه...للحظة تمنيت أني معهم ...شيء يشعرك أنك لازلت تستطيع فعل شيء ...المؤلم في الأمر أن العرب النائمون على مد البلاد لن يشعروا بشيء ما ...ولا أحسبهم سيشعرون بالخجل مما آلوا إليه ومن أنهم أولى بفعل ذلك عوضا عن أجانب أو أصدقاء لا ينتمون للإسلام ولا للمنطقة بصلة ...ولا أظنهم سيفعلون شيئا في أحسن الأحوال إلا أن يقولوا وبلهجات متعددة ذات معنى العبارة : "هم اللي جابوه لنفسهم...حد قالهم يروحوا ويعملوا نفسهم أبطال " !!