غطّى بعض الغبار تلك المرآة المعلقة على جدار الغرفة، وفي زاوية منعزلة عن ضجيج الحي ونساءه الثرثارات.. فتحت خزانة الملابس .. تسلّقت أكثرمن فستان ، وشبكت ظفائري المتعبة بألوان زاهية الشكل .. سمعت أم محمود ( الخاطبة ( تهمس لوالدتي : اليوم سيأتي لزيارتكم عريس لبنتك .. فرحت للخبر رغم جهلها لهويته فتضخيم النساء الكبيرات لرجل يتقدم لأنثى مثلي يجعله كافيا لأحلم به .. أيّ كذب ..؟ أحلم بالخلاص من كل شيء ولا شيء ...
(انتهت من قراءة كتاب " الاشتراكية لماركس " تشبّعت بمبادئه أيام الجامعة،عندما تأخرت أول منحة دراسية واستنزفها اصحاب الكروش المنتفخة ...)
مازالت تبحث فستان يناسب بشرتها القمحية.. وشعرها المجعد .. فاليوم حاسمٌ لها . يجب أن تكون في أبهى حُلّتها حتى ( يجن جنونه العريس ) .. وكأنها تعيش دورا آخر غيرها .. !! أيّ سخرية تلك ..؟
(ماركس لم يكن شيوعيا .. هو فقط ندد بالاشتراكية ، ورفض الطبقية .. كان يريد أن يكون هناك توازن بالعالم ؛ امانتقاسم الخبز بالتساوي أو لا .. هكذا كانت على الأقل تدافع عن نفسها كلما اتهمهاأهلها بالالحاد أو الشيوعية ... !!)
هذا يليقُ بكِ يا أختي ، أنا أحسدك ستدخلين القفص الذهبي بعد ساعات قليلة .. (لا يوجد متّسعٌ بالجدران المتحفرة لأترك فيه بصمة.. كلها منقوشة بأوجاع الفقراء وأصحاب المبادئ.. معاناة عقول أدمنت الحرية، الحرية وفقط ...)
لا أنتِ لست حرة ، ستتزوجينه يعني ستتزوجينه .. لكنه ليس من حلمتُ به يا أمي ، هو متزوج بثلاثة ولديه أولاد كثر ..
(مضت ستة أشهر وهي تحلم بضوء شمس وليل مقمر .. ما أجمل الحرية ، أنا حرّة ومن حقي ممارسة حريتي وأختار لحياتي ما أريد ..)
أغلق الباب وبدأ بازالة ملابسه دون أن يحرك عينيه من عليها ، أصبح شبه عاريا .. وأنفاسها تتسابق ..
- آآآهٍ يكفي لن أخبرك عن شي ء لو قتلتموني .
- احمدي ربكِ أني تزوجتكِ وأنتِ ( ... ) ..
- اتفوا عليك لستُ رخيصة لأخون مبادئي ..
- لكنكِ جميلة جدا رغم آثار المعتقل على جسدك المنتفض أنوثة-
- ابتعدوا عني ، وحوش ..
- أنتِ ممتعة حقا ، استديري قليلا ، ابعدي يديك ...
- أغبياء ،خونة ، كلاب ...
استمرّ بممارستها ليلا كاملا ، اصرخي أكثر .. كم أستلذّ بوجعك ...
وكم رائحتك كريهة .. رائحة زنزانة نتنة ..
تعالت أصوات الزغاريد صباحا لبقعة دم حمراء على الفراش .. وكم من الآهات تكفي لتطفي لهيب الغدر، ووجع الخيانة ..
- كنت أعلم أنك لن تخيبي ظني ، أنت تربية يدي ...
- أمي هي الحرية ، هل تطلقون سراحي
يعيد ممارسته الجنسية الوحشية كل ليلة، لتكتفي بصراخٍ آخر يزيد الجسد ارتهالات ..
أصبح للحياة طعم آخر أول ما أحست بشيء مايتحرك بأحشائها وان كان من رجل بذكورته فقط ..
كان صعبٌ جدا أن تغادر الأرض التي حلمت بحرية ترابها غسلت أرصقتها بشعارات ومبادئ نددت بها ..
هذا الرجل لا يليق بك يا ابنتي ، هو متزوج وله أطفال.. لكنني أحبه يا أمي ، أحبه بجنون .. أنا حرة في اختياري وان لم توافقين سأهرب معه ونتزوج ..
أغلقت خزانة الملابس وأخدت منشفة من جانب المرآة لتنظف الغبار الذي غطاها ، ثم تأملتها كثيرا ..
لترتمي في أحضان المخدة ناطقة حياتها بكلمات أخيرة .. الحرية كذبة كبرى ...!!