خواطر من حرِّ نارِ الهوى تغلو
*
6- حديثُ الروح
*
*
*
*
وعلى حينِ فرحةٍ ، ودونما إذنٍ ودونما أدني انتظار .
جئتُ لدنياكِ ،
لأتعلم من هواكِ كيف يكون الهوى ؟
وكيف أقتاتُ الفرحةَ في زمن التحزِّب والتجمهرِ والحصار ؟
فلا أدري على وجهِ التحقيقِ من أيِّ بابِ يمكنِّني الدخول ؟
ولا أدري على وجهِ الصدقٍ كيف يمكنني أمامكِ المثول ؟
ولا أعلمُ بحقِّ اليقينِ هل أنا على الأرضِ ،
أم أنَّكِ قد أخذتني إلى هُناك ؛
إلى حيثُ كُلُّ شيءٍ مصنوعٌ من طيبِ إحساسكِ ،
ومصبوغٌ بالحنانِ ومدهونٌ بتنهداتِ صدركِ ،
ومؤلفٌ من أبياتِ شعركِ الصاعدِ الواعدِ الرائحِ الغادي ،
فهل يحقُّ لي في وجودكِ الاستفسار ،
أمَّ أنَّك من قديمٍ العشقٍ قد أخذتِ القرار ؟
*
لو تسأليني الآن عنِّي ؛
أرجوكِ أن تُصدِّقيني إن أخبرتُكِ أنَّني لا عُدتُ أعرفُ لي في الأرضِ مكان،
فماذا سأفعلُ ؟
وأنا المُقيَّدُ بالذات ، والمحبوسِ ما بين أصابعِ الذكري وجبينِ الزمان ،
وماذا سأفعلُ ؟
وأنتِ تحيطيني من جميعِ الجهات ،
فتارةً تنسكبين كبيتٍ شعرٍ بكلِّ الحروفِ وكلِّ اللغات ،
وتارةً تتأرجحين على صدرِ أنفاسي ،
وتارةً تُقلمين أظافرَ شغفي ،
وتارةً تُنقبين عن مكنونِ إحساسي ،
وتارةً تلهبين ضلوع شوقي ،
فتحرقيني وتحرقي بيتي بروحِ الحنان ،
فيا أيتها المليكةُ المالكة ،
ويا أيتها الكريمةُ البخيلة ،
ويا أيتها القريبةُ البعيدة،
ويا أيتها المستبدَّةُ المتسامحة،
ويا أيتها الغزالةُ المُغازلة ،
ويا من أخذتني برضائي ورُغماً عنِّي ،
لماذا تجلِّيتِ لي ؟
لماذا تجلَّيتِ لي ؟
وأنتِ تعلمين بأنَّ مريض القلبِ ممنوعٌ من رؤية المُثيرات ،
وممنوعٌ من تقلُّباتِ الجوِّ ومن تقلُّبات الغرام ،
وممنوعُ حتى من مصِّ الشفاهِ ولدغِ اللسان ،
وممنوعٌ حتى من التفكير،
ومن لمسِ الأصابعِ ،
وممنوعٌ حتى من الكلام ،
وغيرُ مسموحٍ لهُ في الهوى أن يكون في قوائم الانتظار.
فماذا سأفعلُ ؟
وفى غيابكِ يأسرني التفكير ويلفحُ وجهي جمرُ الدُوار ،
وفى حضوركِ يجمعني الشتاتُ ،
وأغيبُ في سكرةِ الهوى،
وأفيقُ من سَكرةِ الاحتضار.
وماذا سأفعلُ ؟
وأنا القرويُّ وأنتِ المدينة ،
ولا أفهمُ لغة التحضِّر والتمدُّن ولا أعرف حتى كيف الحوار يُدار.
*
عاجزٌ أنا عن فعلِ أي شيء ،
عاجزٌ حتى عن تحريكِ لساني ،
أو مصمصةِ شفاهي ،
ولا عدتُ اقدرُ علي أيِّ شيء ،
ولا حتى على التفكير ..
فامنحيني حق اللجوء لديكِ ،
وسأمنحكِ حقَّ تقرير المصير ..
لم أعد أري شيئاً بالدنيا إلاَّ أنتِ ،
وكأنَّ العين قد حلفت بألاَّ تري سواكِ ،
ولا عدتُ أعرفُ بأيِّ أرضٍ أنا ولا بأيِّ دار ،
فأرضي هواكِ ،
وثغرُكِ يبقي دارَ القرار ،
وسأكونُ لكِ كما تشائين ،
وسأتحولُ كما يشاء الهوى وكما ترغبين ،
فمرَّة أصيرُ وسادتكِ التي عليها ترتاحين ،
ومرةً عصفورَ جنَّةٍ يترنمُ باسمك ،
ومرةً كُرسي اعتراف لا يفقهُ غيرَ " أُحبُّك "
ودوماً سآتي إليكِ ليلاً برفقةِ أحرفي ،
وأغلقُ علينا الباب ،
وأتغطَّى وألتحفُ بكِ ،
وأخلعُ لديكِ جاهي وعلمي و العِذار.
اللهُ ... كم أتمنَّي لو نمتزجُ سوياً ؛
فتُدركنا بركاتُ الأولياء والمقربين ،
تتعانقُ نمنماتُ الشفاه ،
وتتراقصُ خطوطُ الخصرِ ،
وتتراكبُ ضلوعُ الشوقِ ،
ونصيرُ فَرَاشاً يطيرُ بالسماء ،
وفِراشاً أكون لكِ ،
وأثبتُ لديكِ الحلول والإتحاد ،
ونشربُ سوياً نخب الانتصار ،
فلماذا أيتها الجميلةُ حين رأيتني قد هممتِ بالهروبِ ولُذتِ بالفرار ؟
*
سألتُكِ ....
يا أيتها الساكنةُ بعمقٍ بأغوارِ القلب ،
والضاربةُ إلى حدِّ اللا حد بجذور الروح ،
والراقصةُ بكاملِ اللينِ على مسامِ عشقي ،
والواعيةُ تماماً بشرود ذهني ،
والناطقةُ دوماً بلسانِ صمتي ،
والعذبةُ الروحِ ومعذبةُ الفؤاد ،
سألتُكِ باسم ما بيننا أن تتمهَّلي قليلا ،
وأن تتجرَّدي قليلا ،
وأن تعيدي البسمة بحضورك ،
وتمزجي شغفي بسنا نورك ،
وتروِّضي إحساسي ،
وتتفنَّني في إيقاظ نومِ أشواقي ،
يا سابحةً بجوِّ الغرام ،
ويا ماشيةً فوق مياه القلب ،
ويا من على كتفيها أحطُّ رِحالي وأتعكَّز ،
ويا من على صدرها أُلقي راسي وهمومي وأتأمَّل ،
ويا من بسحر جمالها أمارس التفكير العميق،
ويا من ببؤبؤ عينيها أتكوَّرُ كُلِّي على بعضي وأغرق ،
سألتُكِ أن تأتي ،
فلقد مللتُ من الدنيا ومللتُ الأعذار ،
ومللتُ من الصمتِ ،
ومللتُ من لغة الإشارةِ وأرهقني الاختصار ،
ورجعتُ يتيماً مثلما كنتُ ،
وحدي أنا والقلبِ والأشعار.
*
عمُّوري
2010