.؛
تربَّينَا حُفَاةً ، تخدِشُنا المسَامِير الصَّدئة ، وتعوجُ أصابِعنَا حجارةُ البازالت السودَاء ، كُنّا نقسِمُ اللُّقمة بفيهِ القِططِ الموَّاءة ، ونلبِسُ مُشاركةً معَ أحفَادِ الحَارة ، تلكَ السهراتِ المُنظّمةِ على حصِير الحَكايَا و المَولُودةِ منْ فُرنِ الطِّينِ ، وبرائحةِ الخُبزِ المُقتَرِن بيخضُورِ أوراقِ الليمُونِ المقطُوفِ منْ بُكرةِ النتحِ الأوّل ..
جبلٌ هزّتهُ يدُ الإرهَابِ ، لتُرغِمنَا على دفنِ ذكرَياتِنَا المُتّسخةِ بدمِ الأبرِيَاءِ أنْ نُوقظ وجَعهُم في سُكُونِ نومتِهم ، فنفضنَا كغُبارٍ أثقَل رئتهُ أن تتنفّس الصُّعدَاء ، و قُذِفنَا نختَبِئُ وراء شجَاعةِ الشّجر ، ارتِدادِ الأسوَارِ بانعِصارِ الصّخر ، نلعَقُ شوربةَ المغْرِبِ برجَاءِ السِّلمِ ، ونقضِي خُشُوع التّرَاوِيح برعشَةِ المَكَانِ أن ينفَجِر ..
تُغلّفُنَا مقَاعِدُ الدِّرَاسةِ من رصاصةٍ خوّانة ، و تنفُخُ فِينَا حمَامةَ البَيَاضِ أنْ نرتَقِي ، وعجَنتْنَا الدُّمُوعُ و هزَّاتُ الغدرِ ، و طُبِختْ آمَالُنَا علَى دمِ الرُّؤوسِ التي نتصبّحُ بهَا مُعلّقةً علَى أطْرَافِ المسِيرِ إلَى الكُتُب ..
ومضتْ سنِينُ السّوادِ ، و قنَواتُ الحِدَادِ ، لتغْسِلنَا رحمةُ اللهِ أنِ أحيِنا اثنتَينْ ، ولنتَعلّمَ من الشّجرِ الوُقُوفَ خرِيفًا ،و الصّمود شِتَاءًا ..
كبُرتْ أرجُلُنَا ، وبِتنَا نلبِسُ أرقَامًا أكبَر ، وعُبِّدتْ الطُّرقُ وأصبحَ الصدأ يحنُّ أن يأكُلَ طراوةَ أقدامِنَا ، و صادَقَتْنَا الحِجَارةُ ، أمَّا سهرَاتُنَا هرِمتْ ، واتّخذتْ منْ مدِينتِنَا رُكنَ بائعةِ الكِبرِيت ، وبُكرتُنَا أصبحتْ سودَاء ، لا تُشبِهُ اليخضُورَ في شيءٍ إلاَّ في بدَايةِ عيشٍ آخرهُ التّحمِيصُ علَى نَارٍ بَاردة ..
نسِيتُ أنّ القِططَ أصبَحتْ تتكلّمْ بعدَ أن عجِزنَا عنْ فهمِهَا ، وفقدْنَا منطِقَ الطّيرِ بعد أنْ بُتِرتْ أجنِحتُنَا ، ولازَالَ الجبلُ يضحكُ علينَا كلَّ شهقةِ نفسٍ تلهُو برئتِنا المُلوّثةٍ بدُخَانِ مصَانِع النِّفَاق..
وكمْ أحتَاجُ إلَى جبلْ..!