
المنظْرُ الأولْ
ذهبَ صديقنـا الى شرفةٍ عالية ،
لينظرَ ماضيـهِ المجحفْ ، ليسَ هرباً وإنمـا يقولُ علماءُ النفسِ "أن المرء إن كانَ في معضلةٍ ما
وجبَ عليـه أن يبتعدَ ولو قليلا ، ليحاولَ ان يكونَ حياديَّ المشاعرْ
فتلكَ فرصةٌ كبيرة لأن يفكّر بحريّة بلا ضغوطاتْ" .
ولمّا أن وصلَ الشرفةَ وجدَ المشهدَ هـكذا .. !

الفصلُ الأولْ / المشهدُ الأولْ :
لنقلْ أنـا لم يكنْ بيننا أيّ شيء لنشعرَ أن فراقنـا هو وجعٌ غليظْ !
ولنحسب أن كلّ ما كانَ هو محضُ مشهدٍ مستلبٌ منَ أحدِ الرواياتِ القديمة ،
ولأنّ كلّ ما شعرنـا بهِ هو آنيّ الوقعِ ، ولا يغادرُ تأثيرهُ خشباتِ المسرحْ
فإنـي سأصدقكِ القولُ حينَ أعترفُ لكِ أنـي لم أنزعْ شخصيّتي عنّـي
وما كانَ لي عليَّ من سلطانٍ إلا أنّـي أحببتكْ !
المشهدُ الثاني :
فإنـهُ "ولوْ خيّرونـي لكررتُ حبّكِ للمرةِ الثانية"1
بنفسِ الأخطاءِ والمواقفِ ، حتّى المشكلاتِ التي كانتْ تؤلمنـي
أعيدُ القصّة كاملةً ، بلا أيّ زيادةٍ أو نقصانْ
ولو أن النهاية ستكونُ هي ذاتهـا الموجعة ، سأكررها
فقد سبقَ أن قلتُ لكِ ، أنـا - فرضاً - محضُ ممثليْنِ هاوييْن /
المشهدُ الثالث :
و وراءَ الكواليسِ أيضاً كرهٌ وحقدٌ وشرّ
ليسَ كلّ ما يكونُ على المسرحِ خيالاً أو قصّة محبوكة ،
فالممثلُ المساعد يغبطُ الممثلَ الرئيسي ، وفتاةُ المطبخِ تكرهُ البطلة
ولأنّ الممثلينَ كلّهم بشرٌ مثلنـا ، فلا عجبَ أن وقعنـا في شركهـم ،
حتّى أن منتجاً ما فضّلَ لنـا الفراقْ ،
وأعيدُ الكلامَ هنـا للتذكيرْ ،
لسـنا حزينيْنِ على أيّ شيءْ ، تذكري هذا جيداً /
المشهدُ الرابع :
لا يمكنُ أن نقومَ نحنُ بكافة الأدوارْ ،
ولا يمكنُ لأي أحدٍ أن يقومَ بأدوارنـا ، لذا فالجميعُ بخيرْ !
وإن كانَ إلغاءُ المسرحيّة أوجعَ بعضَ الممثلينْ ، فإن غيرَهم لم يتأثروا بأي شيءْ
وإن كانَت الشخوصُ التي كانَ لها الدورُ الأكبر في إلغائها قويّة فتذكري أيضاً
أن لكلّ قويّ ندّ يغلبه ، وإنه " فوق كلّ ذي علمٍ عليم " 2
المشهدُ الخامسْ :
" والله لو أن رجلاً أرادَ ان يزيلَ جبلاً ، لأزاله " 3
أعرفُ هذا ، ولكنّ لا أحدَ يمكنهُ أن يزيلَ أي شيءْ إن كانَ مبتورَ اليدْ ،
سأحاولُ أن لا أعطي لأيّ أحدٍ أي تبريرْ ، ولن أقولَ سوى حقائقْ ،
كلّ الممثلينَ سواءْ ،
ليسَ على أحدهم الذنبَ وحده ، وإن كنتُ ساعترفُ أنكِ الوحيدة التي لم تشاركي في شيءْ
إلا أن الجميعَ كان لهم دورٌ في الغاء مسرحيتنا ، وأنـا واحدهمْ
ولن أعتذرْ ، أتدرينَ لمَ ؟
واللهِ لا أعلمُ أحداً منّـا تألمَ بحجمِ ما ذقته ساعةَ أن حدثتُ المنتجْ ،
ومن لا يدري فهو في نعيمٍ بمصيبتهِ ، /

المنظرُ الثاني
عادَ صديقنـا إلا مكانهِ الأولْ ، مستبشراً بما قد توصلَ إليه من حلولٍ وإقتراحاتْ
ولكمْ ما كان منه بعيدَ ثلاثِ شهورٍ من مكوثهِ في الشرفة ،
الفصلُ الثاني / المشهدُ الأول : الحلّ أيتها البطلة ، أنـا خسرنـا معركتنا
وليسَ من سبيلٍ للعودةِ الى ذاك المسرحْ مجدداً ،
إلا أنّ الأمرَ لا ينبغي أن يكونَ محزناً ، فالحزنِ - وانتِ تعلمينهُ - ليسَ حكراً علينا
فاضحكي ، أو في الأقلّ ، حاولي فعلَ ذلكْ /
المشهدُ الثاني :
ها هم بدأوا الآنَ بتذوّق إنتقامِ البطلْ ، الحمد لله
لن يشفي البطلَ ما يؤلمهم ، ولكنَ للقدرِ أن يكونَ عادلاً !
وإن ندمَ المخرجُ ، وإن لم يندم ، لا يهمّ
المهمُّ لديّ الآنْ ، هل يمكنُ أن تعودَ المسرحيّة للعرضْ !!!
حتى أنـا وأنتِ ، لا أظنّنـا قادرينَ على تحمّلِ أي شيءْ
لذا دعينـي ألبي أمنيتكِ الأخيرة ، وأنتقمْ /
المشهدُ الثالث :
أتعلمينْ ،
هم يتألمونْ الآنْ ،
وأنـا وأنتِ نرتشفَ الألمَ بتبلدّ ولامبالاة ،
وإنـي رغمَ أن قصّتنا في المسرحيّة تبددت ولا سبيلَ لأن تكونَ حقيقةً ما
إلا أننـي أحبكْ ، وسأبقى أيتها الجميلة ،
ولكِ أن تري هذا في سيرتـي القادمة !
وينسدلُ الستارْ
.................................................. ..............................................
(1) الشاعر نزار قباني
(2) سورة يوسف
(3) إبن القيّم