إنها مُرعبة ! عيناها تُشبهان ثقوباً سوداء أحرقتها المشاعل ، حين تراها تشعرُ بشيءٍ يدعوكَ نحوهَا ..لِقُربِهَا .. لِزيَارَتها.. شيء لم تره من قبل حيثُ تنتابك حالة منَ الفوضى الشعُورية ، جسد مكتنز بالأنوثة حيثُ النهدين والشهوة السَّرمدية ، تخرجُ صباحاً وعطر " الغاردينا" يفوح منها ليعبق بِشذاه مسامع الأجواء ، الكُل يخافُ منها من عرفها ومن لم يعرفها ، كيفَ لا وهي الفتاة التي تشتمُّ رائحتها من على أجساد الكثيرين من زوار الفجر ، ذكية تُدرك سر بقائها ويبدو لي أيضاً بأنها تُدرك سر نهايتها لذا تحافظ دوماً على حيويتها لتغدو محل أنظار الجميع ..
لديها قصر شاهق الطول مُرصع بالسلاسلِ الذهبيّة يحج إليه الكثيرون من أصحاب الفخامات والقصور الملكية ، في قصرها ملاذ آمن من "الصحوة" حيثُ النبيذ الفاخر والأجساد المعراة التي تتراقص على أنغام الحرية فوق توابيت خشبية قد سويت بالأرض لتصبح مسرحاً يجلس عليه كبار الحاضرين سوية وينشدوا لطقوس الشر حتى ساعات الفجر الأولى ومن بعدها يطبق الصمت فلا يعود هناك أي صوت يُسمع إلا السكون وتبدأ أفواج المحتفلين بالتدافع خارجين من القصر وهم يلبسون ثياباً جديدة لعامٍ جديد ..
إنها مرعبة ! حين تمر من أمام بيتي أرى بعينيها نار التنين وهو ينبعثُ من داخل كهفٍ بهيم .
وفي ليلةٍ اشتد فيها المطر حتى تكور وأصبح سيولاً تتدفقُ نحو القصر بشكلٍ مخيف وكأن السيول تريد ابتلاعه ،اووووه كم تمنيت أن تبتلع السيول القصر وتهدم جدرانه فلا يعد لذلك القصر أي شيء بالوجود ، وأنا على تأملاتي وأمنياتي إذ بأحد الجدران بدأ يظهر عليه التصدع وها هو الآن باتَ على وشك السقوط ، تبسم قلّبي لهبة السماء تلك ، ثوانٍ قليلة وإذ بتلك الواجهة تنهار وينهار معها جبروت تلك المرأة وها هُو السيل يجتاح القصر ويجرف معه أشياءً يصعب على العقل تصديقها أو وصفها سوى بأنها "طقوس الشر" ويبدأ القصر بالانهيار والمياه تجرف ما فيه دون عناء سلاسل السجّان لتظهر تلك المرأة وهي تناجي طقوسها المساعدة وهي تطفو حيناً وتغرق حيناً آخر لترمي بها السيول أمام بيتي جثة هامدة دون حراك تلبسني الرعب وأنا أبحث عن قرار وسط دهشة عارمة هل ماتت وانتهى الأمر !؟ اقتربتُ منها وقدمي تسيرإلى الأمام حينا وإلى الخلف حيناً آخر إلى أن وصلت إليها والمطر ما زال يهطل بغزارته لمست يدها وإذ بها ساخنة وأنفاسها ما تزال تنبعث لكنها دون مستوى الوعي ، تملكتني رغبة صريحة بوجوب قتلها لكنني خفت ! فلقد سيطرت عليّ روح الهزيمة التي وَرَثَتني إياها العصا على مرَّ السنين، عدتُ إلى بيتي جلستُ أمام مدفأتي أرتعش حتى غفوت ..
أطلت شمس الصباح ، عاجلتُ خطواتي مرتعشاً نحو شرفة المنزل لأستشرف تلك المرأة فلم أرَها ، ذهبتُ بخطواتي نحو الجانب الآخر من المنزل لأرى القصر فرأيته شاهقاً كما كان وأسواره قد ازدادت علواً عمّا كانت عليه من ذي قبل ، خرجتُ من منزلي فإذ برائحة الغاردينا هي ذاتها تفوح في كل مكان ..
.
.