إذا غابتِ الشمسُ فجأةً فلحدثٍ عظيمٍ في الكون
( أنا )
[justify]
الحليم شخص احتملَ الكثيرَ من أجل أن يبقى على رزانته و هدوء باله و حصافة عقله ، فلم تغيره مزعجات الليالي و لم تزلزله تصرفات الناس ، لأنه متمتع بسيِّد الأخلاقِ فكان من سادة الناس ، لذا فهو مفزعُ الكبراءِ ، و ملجأُ العامةِ ، و مجلسه معمورٌ مشهورٌ ، حيثُ تكون الحكمةُ منقولة ، و الأخلاق الرفيعة مبذولة .
و حيثُ لكل شيءٍ منتهى ، فإنَّ حلمَ الحليم له حدٌّ ينتهي إليه ، و منتهى لا يصبر عليه ، فينقلبَ حالُه إلى أسوأ حالٍ ، و على قدر الصبرِ يكون الانفراج ، و بما أنَّه كذلك فمن العقلِ اتقاءُ شر الحليم إذا غضب ، فغضبه انفراج لمكتومٍ ، و بوحٌ لمكبوت ، و نفثة مصدور ، فلا يكون الانفراج سهلاً ، و لا وقعه يسيراً ، بل سيكون شديداً قاسياً على كل ما حوله ، فيُدرك الفطناءُ من قوة الغضبِ قوةَ الحلم .
غضبُ الحليم قد يكون واقعاً على إنسانٍ ، فربما على ذاته ، و ربما على غيره ، و قد يكون على زمانه ، فلا يكون زماناً مهيأً له ، و ربما كان على مكانه فيكون دنياً غيرَ مناسبٍ لقدرِ الحليم . و غضبُ الحليم إن كان ، فلا يكون قولاً فحسب ، بل يكون فعلاً ، و لن يتصرفَ تصرفاً أبلهاً و لا معتوهاً ، بل سيكون تصرفاً هادئاً واقعَ الشدة على الناسِ . ذاك الغضبُ يفري فرياً في نفسِ الحليمِ كلها ، كلها جميعاً ، جسداً و قلباً و عقلاً و روحاً ، فذاك الغضبُ شرٌّ عليه في كل ذلك ، و شرٌّ على من حوله و عرفه ، فقد يبلغُ به الغضبُ أن يكون يلحقه قهرُ الرجال فتُشوى منه كبدٌ من قهر ، أو موتُ فجأة ، أو زوالُ عقلٍ ، و على غيره فقاسية عليه أن يُرى غضباناً و قد عرفَ حليماً ، أو قاسياً و قد تُنُوْقِلَ عنه اللينُ ، أو عبوساً و قد اشتهرَ بالبشاشة ، فتلك عليه أشد من وقع النبال على جسده ، و لأنه حليم فقد يؤثرُ ما يضرُّ به على ما لا يضرُ بغيره ، فيكون غضبه _ ليسلموا _ ارتحالاً عن بلادٍ ، أو لياذاً بصمتٍ ، أو اختفاءً بعد ظهورٍ ، و قد يصلُ الغضبُ أشدَّه فتكون مهلكةُ الحليم عليه ، فتلك عليه ألطف من وقعِ شيءٍ على غيره ، و ذاك حلمٌ خفيٌ فيه ، و لا يُدركُ ذلك من الحليمِ إلا الألباءُ من الفطناءِ ، فهم القارئون صمته ، الباحثون في عينه ، المُدركون بُعد حروفه ، المبصرون وقعَ تصرفاته ، و هم الذين يعذرونه و غيرهم يعذله ، و هو في منأى عن القومين ، سالكٌ أمرَه في الأمرَّيْن .
يخلقُ غضبَ الحليمِ لأواءُ الحياةِ ، و تقلباتُ الدهر ، و نفاد قدر الصبر المقسومِ له ، و يخلقه ظلمٌ فاحشٌ ، و حيفٌ ظاهرٌ ، و ضيمٌ قاهرٌ ، و لا لديه إلا عجزٌ و ضعف ، و يدٌ تقصُرُ عما العينُ إياهُ تُبصُرُ ، و يخلقه جهلٌ مطبقٌ ، و غباءٌ محدقٌ ، و تعالمٌ مُطلَقٌ ، و صدودٌ عن معرفةٍ ، و جحودٌ لعلمٍ ، و حربٌ على ثقافة ، و يخلقُ الغضبَ فقدٌ لحبيبٍ ، و تغييبٌ لخليلٍ ، و فواتٌ لصفيٍّ ، و يخلقُه فقرٌ موجعٌ ، و قلةُ ذاتِ يدٍ مُذِلَّةٍ ، و عجزُهُ عن القيامِ بأمرِ نفسه ، و كذلك يخلقُهُ ارتقاءُ الأسفلين ، و تقدُّم الأرذلين ، و تعظيمُ الأقلِّيْن ، و إقصاءُ النبهاء ، و إجفاء الفطناء ، و إبعاد الأذكياء ، فكلها موجعاتٌ مفجعاتٌ مزعجاتٌ ، فآهٍ لقلبِ الحليم إذ صبر الوقت الطويل عليها ، و رُحمى له و عليه أن باح بالغضبِ مطلقاً لنفسه نفساً صُعداء ، فتلك قاضيةٌ على جواهر قلبه ، و سالبةً أواصرَ لُبِّهِ ، فلا يلامُ على غضبٍ على شيءٍ كهذا .
إذا غضبَ الحليمُ فَيُوْدَعُ و شأنه مع غضبه ، فغضبُ الحليمِ سيُرشده نحوَ الأصلحِ ، و هو سيد أنواعِ الغضبِ ، فلا ضررَ منه متحققٌ ، و إنما لجوءٌ و خروجٌ ، دون إضرارٍ و إيجاعٍ ، و إن أوجعَ قلوباً فهي لحبها له ، و لفقدها بهاءه .
http://alotaig.com/?p=68
[/justify]