قرأت لأحدهم طرفة مضحكة ومبكية في آن معا وهي أن المرء يجد بعض صحفنا وقد أفردت لأحد الكتاب صفحة كاملة ليكتب فيها , تمني النفس بلذيذ الأحرف ثم تُفاجأ بأن الموضوع عن جمس الهيئة
..........
حلّقت في دنيا الخيال لأرى ذاك الكاتب وقد شمّر للمقال حرفه وأخذ مقعده من ذاك المكتب الفخم وطفق يكتب ..يكتب ثم يرمي ببصره للأفق الممتد أمامه , يقطب جبينه ويتجهم وجهه وكأنه يلم شعث أفكاره , تنفرج أساريره حين يصطاد كلمة أو فكرة لينكب إلى أوراقه ويكتب , يعاود التحديق ثانية ..يمصمص شفتيه ويتمطّق ويكتب ...............
تقمصت شخصية ذالك الكاتب والمفكر وكتبت بالإنابة عنه مقالة :
_____________
جمس الهيئة
ثمة صخور تجثوا على الطرق المفضية للعالم المتحضر من حولنا , صخور تمنع الرؤية وتحجب ضوء الشمس ..تعيق تقدّم المتعطشين شوقاً للإنفتاح على العالم الذي لم نستطع اختراقه وكيف لنا أن نخترقه وهذه الصخور تجثم على صدورنا منذ أمد بعيد ..
هذه الصخور هي ما أُتفق على تسميته بـــــ جمس الهيئة ..
جمس الهيئة هذا ما هو إلا سيف سُلّط على رقابنا ليمنع انطلاقة الحرية ويقتل بواعثها ..جمس الهيئة هذا انتشر في بلادنا كالوباء يفتك بحرية الناس أينما وجدها ولذا نجد جمس الهيئة هذا تارة عند مدارس البنات يسد الطرق أمام أنفاس العشق المنبعثة من قلوب تتوق للتحليق في فضاءات الحب الرحبة , يوقف انهمار المشاعر المنسكبة من صبية وقعوا في فتنة الأنوثة الطاغية وفتيات يتطلّعن بشوق لهمسة تروي ظمأ قلوبهن ...جمس الهيئة هذا لا يبرح الأسواق التي ترتادها النساء إلا نادراً , يحسب على الناس أنفاسهم ويحاصر نظراتهم فلا تزوغ نظرة هنا ولا هناك ولم يكتفي بهذا بل اقتحم خلوات الذين يتطارحون الغرام في بلاد ما وراء العمران ..
جمس الهيئة يؤثر سلباً على اقتصاد البلاد بقراره الجائر حول غلق المحلات أوقات الصلاة ولكم أن تحسبوا كم من الخسائر تكبّدها التجار جراء ذاك التصرف الأرعن ..
وعن جمس الهيئة ...............................
و جمس الهيئة هذا ...............................
أما جمس الهيئة .................................
.
أقترح أن يُحل هذا الجهاز وأن يستغل جمس الهيئة هذا بما يفيد .بأن يحوّل مثلاً إلى إسعافات تستغلها وزارة الصحة أو وسائل نقل للمعلمات اللائي يعملن في مناطق بعيدة ..هذا اقتراحي الذي أرجو أن يُنظر له بعين الاعتبار والمصلحة ....
.
نكِرَه المجهول ...أكاديمي وباحث في شؤون جمس الهيئة ..
___________
________
انتهت المقالة العظيمة ولم تنتهي مأساتنا ونحن نتصفح المجلات والصحف المحلية لنصطدم بأمثال هؤلاء وما أكثرهم ..هؤلاء هم الملتصقين بالثقافة والفكر الذين مافتئت صحفنا تستقطبهم وكأن البلد يعاني من أزمة مثقفين ومفكرين ..
هؤلاء لا يملكون قضية يدافعون عنها ..لا يحملون قضية تمس جرح الأمة النازف ولا يقدمون بلسماً يداوي تلك القروح , مبلغ علمهم ينصب في اهتماماتهم التافهة التي يرونها جهلاً أو خبثاً كبيرة ونراها صغيره , يرونها إصلاحاً ونراها افسادا ..هؤلاء الخدّج ثقافياً لا يألون جهداً في محاربة جهاز الهيئة أو الدعوة لانشاء سينما ومابعد السينما أو الخوض في قضايا الحجاب دون علم أو رأي , يعزفون دوماً على وتر المناهج متذرعين بأنها هي السبب فيما يقوم به المراهقون من ترويع للآمنين وعبث بأمن البلاد ..هذا غيض من فيض أطروحاتهم الدالة على ضحالة التفكير وفقر المعرفة ...
آن لنا أن نقول لهؤلاء اصمتوا ..أغلقوا أنوفكم فلقد اختنقنا بأنفاسكم النتنة ..
ابن المدينة / يوسف الحربي