مُعْتَقُ النُّورِ: رِسَالَةُ الْغَرِيبِ إِلَى صَبِيَّةِ الشَّعَاعِ! - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
رجل القش (الكاتـب : منى آل جار الله - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 1 - )           »          سارة (الكاتـب : أحلام مؤجلة - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 1 - )           »          غرق (الكاتـب : أحلام مؤجلة - مشاركات : 50 - )           »          نُعمّدُ الموتَ..!! (الكاتـب : رشا عرابي - مشاركات : 26 - )           »          أيُها الرُوَاد : سُؤال ؟ (الكاتـب : عَلاَمَ - آخر مشاركة : رشا عرابي - مشاركات : 487 - )           »          مُعْتَقُ النُّورِ: رِسَالَةُ الْغَرِيبِ إِلَى صَبِيَّةِ الشَّعَاعِ! (الكاتـب : جهاد غريب - آخر مشاركة : ندى يزوغ - مشاركات : 2 - )           »          قراءة في قصيدة : علي مؤاخذة الطين للشاعر مصطفى معروفي (الكاتـب : مصطفى معروفي - مشاركات : 0 - )           »          حين يصبح الرجل سندا لا قاضيا ! بقلم ندى يزوغ (الكاتـب : ندى يزوغ - مشاركات : 0 - )           »          عندما تعجز عن إثبات عقلك في عالم لا يصدقك! (الكاتـب : ندى يزوغ - مشاركات : 2 - )           »          لماذا يمنحك الصمت هيبة و تأثيرا ؟! بقلم ندى يزوغ (الكاتـب : ندى يزوغ - مشاركات : 0 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي

أبعاد النثر الأدبي بِالْلُغَةِ ، لا يُتَرْجِمُ أرْوَاحُنَا سِوَانَا .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-10-2025, 03:31 AM   #1
جهاد غريب
( شاعر )

افتراضي مُعْتَقُ النُّورِ: رِسَالَةُ الْغَرِيبِ إِلَى صَبِيَّةِ الشَّعَاعِ!



مُعْتَقُ النُّورِ: رِسَالَةُ الْغَرِيبِ إِلَى صَبِيَّةِ الشَّعَاعِ!

لَيْسَتِ الأَعْشَابُ سِوَى كَلِمَاتٍ نَسِيَتْ أَنَّهَا كَانَتْ تُقْرَأُ!
فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَفْهَمَ شِيمَاءَ،
فَاسْأَلِ الزَّهْرَ عَنْ مَعْنَى "الْوَدَاعِ" قَبْلَ أَنْ يَذْبُلَ،
وَاسْأَلِ الْحَصَى عَنْ حِكَايَةِ "اللَّمْسِ" قَبْلَ أَنْ يَبْرُدَ!

فِي دُكَّانِ الْعَطَّارِ حَيْثُ يَبْزُغُ مَذْبَحُ الْبَخُورِ،
يَتَحَدَّثُ عُودُ الْبَخُورِ بِصَوْتٍ عَتِيقٍ:
"أَنَا جِذْعٌ مَزْهُوٌّ... لِمَاذَا تَذْكُرِينَنِي؟"
فَتَنْثُرُ الصَّبِيَّةُ كَلِمَاتِهَا كَبَخُورٍ:
"لأَنَّكَ تَشْبَهُ أَبِي.. كِلَاكُمَا يَحْتَرِقُ بِبُطْءٍ!"

عَلَى ضِفَافِ النَّهْرِ الْمُقَدَّسِ،
تَتَثَنَّى الْمِيرَمِيَّةُ كَسُئَالٍ أَزْهَرَ:
"هَلْ سَتَكْتُبِينَني فِي دَفْتَرِكِ؟"
فَتَسْتَحِيلُ الْإِجَابَةُ نَهْراً:
"بَلْ سَأَغْسِلُ بِكِ حُرُوفِيْ.. لِكَيْ تَعُودَ الْكَلِمَاتُ بَرِيئَةً كَالنَّبَاتِ!"

بَيْنَ ذُرَى الْغُيُومِ وَالدُّخَانِ،
يَنْثَنِي الْبَخُورُ كَسَاجِدٍ قَدِيمٍ:
"هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟"
فَتَذْرِفُ الصَّبِيَّةُ بِصَمْتٍ:
"كَفَى.. لَقَدْ صِرْتُ أَنَا نَفْسِي عُطْرًا يَتَحَدَّثُ!"

وَفِي اللَّحْظَةِ الَّتِي انْفَضَّ فِيهَا الدُّخَانُ،
وَجَدَتْ نَفْسَهَا تَنْبُتُ بَيْنَ أَضْلَاعِ الزَّعْتَرِ الْبَرِّيِّ،
فَأَصْبَحَ كَلَامُهَا قَطْرَاتِ نُورٍ، فَيَقُولُ الْجَبَلُ:
"هَذِهِ رُوحِي!"..
وَكَانَ الزَّعْفَرَانُ يَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ الْمَاءِ حِينَ يَمُرُّ عَلَيْهَا، فَيَكْتَبُ عَلَى جَبِينِهَا:
"أَنْتِ السَّرُّ الَّذِي لَمْ يَسْأَلْ نَفْسَهُ: لِمَاذَا أَنَا جَمِيلَةٌ؟"

تسَاءَلَتْ فِي دَاخِلِهَا: هَلِ الْجَمَالُ وَعْيٌ؟
هَلْ يُولَدُ الْإِنْسَانُ نَاسِيًا جَمَالَهُ، ثُمَّ تُذَكِّرُهُ الْكَلِمَاتُ؟

وَفِي إِحْدَى اللَّيَالِي، بَيْنَمَا كَانَ اللُّبَانُ الذَّكَرُ يُرَتِّلُ أَسْمَاءَ اللهِ الحُسْنَى،
وَقَعَتْ كَلِمَةُ "الْوَدُودُ" فِي كَفِّهَا، فَصَارَتْ خَالاً عَلَى مِعْصَمِهَا الأَيْسَرِ.
هَكَذَا وُلِدَتْ..
مِنْ غُصْنِ رَيْحَانٍ يَحْكِي، وَرَائِحَةِ عُودٍ تَسْأَلُ!

فِي الْبِدَايَةِ، كُنْتُ أَرَاهَا مَجَرَّدَ ظِلٍّ خَفِيفٍ، لَمْ أَفْهَمْ لِمَاذَا كَانَتْ تَنْصِتُ لِلْأَعْشَابِ، كَأَنَّهَا تَسْمَعُ شَيْئًا أَعْجَزُ أَنَا عَنْ سَمَاعِهِ؛ كُنْتُ أَظُنُّهَا تَهْرُبُ مِنَ الْوَاقِعِ، أَوْ تَتَسَلَّى بِخَيَالٍ رَقِيقٍ.

كَانَتْ تَحْمِلُ نَفْسَهَا كَأَنَّهَا وَرْدَةٌ لَمْ تَمَسَّهَا أَرْضٌ، فَقُلْتُ لَهَا:
"أَنْتِ الْخُطُوَاتُ الَّتِي تَسْلُكُهَا الْجِنَانُ بَيْنَ الْغَيْمِ وَالرَّائِحَةِ..
فَكَيْفَ لِلأَعْشَابِ أَنْ تُعَبِّرَ عَنْكِ؟"

فَأَجَابَتْنِي بِصَمْتٍ أَشْبَهَ بِتَرْكِيبَةِ عُطُورٍ قَدِيمَةٍ:
الزَّعْفَرَانُ يَقُولُ إِنَّكِ اخْتِصَارُ الشَّمْسِ فِي كَفٍّ،
وَاللُّبَانُ يَزْعُمُ أَنَّني صَلَاةٌ لَمْ تُقَطِّعْهَا أَدْخِنَةُ الْبَشَرِ،
أَمَّا النَّعْنَاعُ فَيَنْسِبُ إِلَيَّ سِرَّ الْبَرْدِ الَّذِي يَهْبِطُ عَلَى الْقُلُوبِ الْحَارَّةِ، فَتُبْصِرُ نَفْسَهَا فِي مَاءٍ!"

سَأَلْتُهَا: "كَيْفَ تَحْمِلِينَ الْعَالَمَ وَأَنْتِ أَخَفُّ مِنْ رَائِحَةِ الْيَاسَمِينِ؟"
فَأَرَتْنِي كَفَّيْهَا..
كَانَتْ خُطُوطُهَا تُشْبِهُ جُذُورَ الْخُزَامَى تَحْتَ التُّرْبَةِ،
فَفَهِمْتُ أَنَّ الْخِفَّةَ هِيَ أَنْ تَكُونَ لَكَ أَصْلٌ فِي السَّمَاءِ!

ثُمَّ انْثَنَتْ نَحْوَ الضَّوْءِ،
فَإِذَا الْهَوَاءُ حَوْلَهَا يَنْسَجِلُ ذَهَباً،
وَإِذَا بِالشَّمْسِ قِطْعَةٌ مِنْ صَمْتِهَا،
مُعَلَّقَةٌ بِيَدِ الْهَوَاءِ كَأَنَّهَا قُرْصُ عَسَلٍ قَابِلٌ لِلذَّوَبَانِ.

عِنْدَمَا أَخَذَتْ تَغْمِسُ قُرْصَ شَمْسٍ فِي فِنْجَانِ الْمَرِيمِيَّةِ،
قَالَتْ: "هَذِهِ تَجْرِبَةُ إِنْسَانٍ أَوَّلَ..
أَنْ تَخْلُطَ الْحُزْنَ بِالضِّيَاءِ فَتَحْصُلَ عَلَى عُشْبَةٍ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُبْكِيَ نُورًا!"

وَفِي السَّاعَةِ الَّتِي تَسْقُطُ فِيهَا النُّجُومُ فِي غَلاَيَةِ الأَعْشَابِ،
تُرْسِلُ الْجَنَّةُ مَلاَكًا بِرِسَالَةٍ:

"يَا أَهْلَ الأَرْضِ..
إِنَّ الرَّيْحَانَ هُوَ آخِرُ مَا بَقِيَ مِنْ لُغَةِ آدَمَ،
وَالْمِيرَمِيَّةَ هِيَ دُمُوعُ حَوَّاءَ حِينَ أَدْرَكَتْ أَنَّ الْجَمَالَ لَيْسَ ذَنْباً!

فَإِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَعْرِفُونَا،
فَاشْرَبُونَا كَشَايٍ..
وَإِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَنْسُونَا،
فَاحْرِقُونَا كَبَخُورٍ!"


وَذَاتَ صَبَاحٍ،
بَعْدَ أَنْ تَصَاعَدَتْ رِسَالَةُ الْمَلَاكِ كَنَسَمَاتٍ إِلَى الْعُرُوشِ،
وَبَقِيَتْ كَلِمَاتُ الْجَنَّةِ تَتَلألأُ عَلَى جَبِينِ الْأَرْضِ،
كَطَلِّ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى،
وعَلَى مَقْعَدِ الْفَجْرِ، حَيْثُ تَتَرَاقَى الْأَنْوَارُ،
بَيْنَمَا كُنْتُ أَسْحَبُ أَحْلَامِي كَسَجَّادَةٍ عُشْبِيَّةٍ نَسَجَهَا الضَّيَاءُ عَلَى مَائِدَتِي،
وَجَدْتُهَا تَغْمِسُ أَصَابِعَهَا فِي شَايِ الْيَاسَمِينِ،
فَقَالَتْ:
"هَذَا الْعُشْبُ يُشْبِهُنِي..
كُلَّمَا اشْتَدَّتْ حَرَارَةُ الْوُجُودِ، انْفَتَلَ مِنْ ذَاتِهِ بَرْدًا!"

وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ،
حِينَ صَارَتِ الْأَيَّامُ سَبْعَةَ أَلْوَانٍ فِي عُنُقِ الْوُجُودِ،
رَأَيْتُهَا تَحْنُو عَلَى وَرَقَةِ الْغَارِ،
وَقَالَتْ:
"اكْتُبْ عَنِّي..
وَلَكِنِ اخْتَلِفْ كُلَّ يَوْمٍ:
مَرَّةً كَأَنِّي بَخُورٌ يَصْعَدُ إِلَى اللهِ،
وَأُخْرَى كَأَنِّي حِنَّاءٌ تَخْتَزِنُ أَحْلَامَ الْعَرَائِسِ الْقَدِيمَاتِ!"

وَمَضَتْ لَيَالٍ كَثِيرَةٌ وَهِيَ تُعَلِّمُنِي كَيْفَ أَقْرَأُ صُحُفَ الْوُجُودِ،
حَتَّى جَاءَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا:
صَوْتُ الْقَمَرِ يَذُوبُ فِي الْمَاءِ،
وَصَوْتُهَا يَذُوبُ فِي صَمْتِي...
حَتَّى إِذَا مَا الْتَقَى الْفَجْرُ بِالْأَسَى،
وَصَارَ الْوَدَاعُ نَبَاتاً بَيْنَ أَضْلُعِينَا،
في تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَرَّرَتْ أَنْ تَذُوبَ كَالْمِلْحِ فِي مَاءِ الْقَمَرِ،
تَرَكَتْ لِي وَصِيَّةً:
"اجْعَلْنِي خَلِيطَةً مِنَ الْخُزَامَى وَالْعُودِ،
وَاضْرِبْ بِهَا عَلَى جَبِينِ الزَّمَنِ..
لِكَيْ لَا يَنْسَى أَنَّ الطِّينَ قَدْ يَكُونُ قِنَاعًا لِكَلِمَاتٍ قَدِيمَةٍ،
كُتِبَتْ بِالرِّيحِ قَبْلَ أَنْ تُخْتَرَعَ الْأَحْرُفُ!"

فَصِرْتُ أَجْمَعُ الْخُزَامَى وَالْعُودَ كَطِفْلٍ يَقْرَأُ أُولَى كَلِمَاتِهِ،
حَتَّى إِذَا مَسَحْتُ بِهَا جَبِينَ الزَّمَنِ،
انْفَتَحَتِ الأَرْضُ كَكِتَابٍ مُقَدَّسٍ...
حِينَئِذٍ فَهِمْتُ:
أَنَّ الأَعْشَابَ حُرُوفٌ مِنْ ضَوْءٍ،
تَكْتُبُهَا الْأَرْضُ بِلُغَةِ السَّمَاءِ..
فَكُلَّمَا جَفَّ الْبَابُونْجُ عَلَى الْوَجْهِ،
لَمْ نَعُدْ نَرَى الْجَمَالَ فِي الْوَرْدِ،
بَلْ فِي الْمَسَافَةِ بَيْنَ الرَّائِحَةِ... وَذِكْرَاهَا!

وَعِنْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ الْوُجُودِيِّ،
حِينَ تَصْفُو الْأَسْئِلَةُ كَالْأَعْشَابِ،
أَدْرَكْتُ:
أَنَّ الْفَهْمَ ظِلٌّ يَلْحَقُ نُورَهُ،
وَالْكَلِمَاتُ فَرَاشَاتٌ تَحُومُ عَلَى شَفَا الْاحْتِرَاقِ...

وَأَنَا بَيْنَ:
حَافَّةِ الْوُجُودِ الْمُنْبَسِطَةِ،
وَحَافَّةِ الْكَلَامِ الْمُنْكَسِرَةِ،

صَارَتِ الطَّبِيعَةُ تَتَكَلَّمُ بِمَا عَجَزَتْ عَنْهُ اللُّغَةُ:
فَالْأَعْشَابُ شِعْرٌ يَنْبُتُ مِنْ أَسْئِلَةِ الْجَمَالِ،
وَالشِّعْرُ عُشْبَةٌ مُقَدَّسَةٌ تَحْمِلُ الأَحْلامَ بَيْنَ أَوْرَاقِهَا،
نَحْنُ فَقَطْ أَوْعِيَةٌ تَتَرَاقَصُ فِيهَا الأَجْوِبَةُ...
وَقَدَحٌ نَصْهَرُ فِيهِ الصَّمْتَ وَالضَّوْءَ!

أَمَّا أَنَا - بَعْدَ كُلِّ هَذَا -
فَقَدْ تَعَلَّمْتُ مِنْ صَبِيَّةِ الشَّعَاع:
أَنَّ الْجَمَالَ وَرْدَةٌ تَسْقُطُ مِنْ كِتَابِ الْقَدَرِ،
فَتَرْفُضُ الْأَرْضُ أَنْ تَكُونَ تُرْبَةً،
وَتَأْبَى السَّمَاءُ أَنْ تَكُونَ حَرْفًا!

يَا صَبِيَّةَ الشَّعَاعِ،
هَذِهِ الْكَلِمَاتُ:
عُصَارَةُ أَضْوَائِكِ، ونَدَى أَحْلَامِكِ،
فَخُذِيهَا مَشْروبًا فِي قَلْبِ الْوَقْتِ،
وَأَلْقِيهَا فِي بَحْرِ الْأَزَلِ
وَازْرَعِيهَا فِي تُرَابِ الْخُلُودِ
وَأَعْطِيهَا لِلرِّيحِ...
حَتَّى تَحْمِلَهَا إِلَى كُلِّ الْغُيُوبِ
حَتَّى إِذَا مَا انْفَتَحَ الْعَالَمُ كَزَهْرَةٍ،
عَرَفْنَا أَنَّنَا كُنَّا دَائِمًا...
مَاءً يَجْرِي بَيْنَ أَصَابِعِ الْوُجُودِ!

يا حَلْوَةَ الْإشْرَاقِ،
هَذَا النَّصُّ هُوَ بُسْتَانُكِ..
فَادْخُلِيهِ حَافِيَةَ القَدَمَينِ،
وَاتْرُكِي الأَعْشَابَ تَخْتِمُ عَلَى جَبِينِكِ بِخَاتَمِ النُّورِ!
ازْرَعِيهِ كَبُذُورٍ، وَاشْرَبِيهِ كَشَايٍ، وَاقْرَأِيهِ كَوَرْدَةٍ.

فَإِذَا مَا انْتَهَيْتِ مِنْ قِرَاءَتِهِ،
اعْلَمِي أَنَّكِ قَدْ دَخَلْتِ مُعْتَقَ النُّورِ..
حَيْثُ تَصِيرُ الْكَلِمَاتُ أَعْشَابًا،
وَتَصِيرُ الأَعْشَابُ لَحْظَاتٍ تَسْتَحِي مِنْ نَفْسِهَا!
فَلا تَعُودِينَ إِلَى مَا كُنْتِ، بَلْ إِلَى مَا سَتَكُونِينَ!

وَحِينَ انْسَحَبَتْ مِنْ بَيْنَ يَدَيَّ كَالضِّيَاءِ،
صِرْتُ أُحَدِّثُ الْعَالَمَ عَنْهَا:
تِلْكَ الَّتِي تَسْكُنُ بَيْنَ الْوَرْقِ وَالرَّائِحَةِ
لَيْسَتْ صَبِيَّةً..
إِنَّهَا فِتْنَةُ الْبُعْدِ الثَّالِثِ بَيْنَ:
نَبَاتٍ يَكْتُبُ سِيَرَهُ بِعُصَارَةِ السَّمَاءِ،
وَكَلِمَةٍ تَسْتَحِي أَنْ تَعْتَرِفَ بِأَنَّهَا عُشْبَةٌ!

حَتَّى إِذَا مَا سُئِلَتِ الصَّبِيَّةُ: "مَتَى وُلِدْتِ؟"
أَجَابَتْ بِصَوْتٍ يَشِبُّ عَلَى الْحَافَّةِ بَيْنَ الزَّعْتَرِ وَالزَّمَنِ:
"وُلِدْتُ حِينَ تَرَجَّحَ الْعُودُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَعْتَرًا وَأَنْ يَكُونَ نَدًى...
وَلٰكِنَّهُ ذِكْرَى احْتِرَاقٍ فِي كَفِّ مُعَلِّقَةٍ!
فَصَارَ دُخَانُهُ صَلَاةً، وَرَائِحَتُهُ وِصَالًا!"

كَيْفَ صَارَتِ الْكَلِمَاتُ أَشْبَاحَ نَبَاتَاتٍ؟
وما حِكَايَةُ الْخَالِ؟

فَبَيْنَمَا كَانَ اللُّبَانُ يُرَتِّلُ،
كَثَمَرَةٍ مُنْزَوِيَةٍ فِي كَفِّهَا... صَارَ الْخَالُ:
خَتْمَةُ اللهِ عَلَى جِلْدِ الْوُجُودِ،
وَرَمْزُ الْعُشْبِ إِلَى أَنَّ الْحُبَّ ضَرْبٌ مِنَ الْكِيمَاءِ الرُّوحِيَّةِ!

عَجَبًا لِلْخَالِ الَّذِي...
كَانَ يَتَّسِعُ كُلَّمَا قَرَأَتْهُ الْمَرِيمِيَّةُ..
حَتَّى صَارَ بَابًا سِرِّيًّا تُلْقِي مِنْهُ الْأَعْشَابُ بِأَسْرَارِهَا قَبْلَ أَنْ تَذْبُلَ!

الْخَالُ لَمْ يَكُنْ نُقْطَةً، بَلْ بُذْرَةُ نُورٍ...
تَنْبُتُ فِي مَفْصِلِ الْوُجُودِ!

يَا شَرِيكَةَ السَّمَاءِ وَالزَّعْتَرِ،
يَا ضَحْكَةً تَذُوبُ كَالزَّعْفَرَانِ فِي الْأَجْوَاءِ!
كَأَنَّمَا الْفَرَحُ نَبَاتٌ يُزْهِرُ مَرَّتَيْنِ:
مَرَّةً فِي الْأَرْضِ،
وَأُخْرَى فِي اللُّغَةِ!

لَا يُمْكِنُ لِهَذَا النَّصِّ أَنْ يَنْتَهِيَ..
لأَنَّ الصَّبِيَّةَ لَيْسَتْ سِوَى:
وَرْدَةٍ تَتَذَكَّرُ أَنَّهَا كَانَتْ بَحْرًا،
وَعُشْبَةٍ تَحْلُمُ أَنْ تَصِيرَ سُؤَالًا!

هَذَا هُوَ الْجَمَالُ:
أَنْ تَكُونَ الْوَرْدَةُ قَصِيدَةً،
وَأَنْ تَكُونَ الْقَصِيدَةُ جَذْرًا يَنْبُتُ فِي فَمِ الْغَرِيبِ!
فَهَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟
أَمْ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَنْهَا هِيَ نَفْسُهَا ذَبْحَةُ الْوَجْدِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى سِكِّينٍ مِنْ نُورٍ؟

مَا زِلْتُ أَذْكُرُ الصَّبِيَّةَ...
وَلِيدَةَ النُّورِ، وَابْنَةَ الضِّيَاءِ،
قَبْلَ أَنْ تَذُوبَ فِي الْقَمَرِ،
حِينَما أَوْصَتْنِي:
"إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكْتُبَ عَنِّي،
فَاجْعَلْ حُرُوفَكَ أَصْوَاتَ أَوْرَاقٍ تَتَحَرَّكُ فِي الرِّيحِ..
وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْسَانِي،
فَابْحَثْ عَنِّي فِي مَذَاقِ الْكَلِمَاتِ قَبْلَ أَنْ تَجِفَّ!"

وَكَانَ الْوَقْتُ وَرَقَةً نَاعِمَةً...
تَغْسِلُهَا أَصَابِعُ الْفَجْرِ،
وَتَتَرُكُ الصَّبِيَّةُ عَلَيْهَا بَصَمَاتِهَا كَنَدَوَاتٍ!

مَا زَالَ صَوْتُهَا يَنْبُتُ فِي أُذُنِ الْوَرَقِ...
فَصِرْنَا مَاءً يَرْقُصُ فِي جَفْنِ الْخَلِيقَةِ،
وَنَسِينَا أَنَّنَا كُنَّا حُرُوفًا تَسْعَى إِلَى مَعْنًى!

لَمْ يَكُنْ مُعْتَقُ النُّورِ مَكَانًا،
بَلْ رَائِحَةٌ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الزَّعْتَرِ وَالرُّوحِ،
حِينَ يَكُونُ الْوَجَعُ قَمَرًا... وَالْفَهْمُ نَدًى!

جهاد غريب
مايو 2025


 

جهاد غريب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-14-2025, 04:21 PM   #2
عبدالإله المالك
إشراف عام

افتراضي


عطر يتحدث ويرسم شعاع النور ويرسل الكلمات كالنور ...

حييت يا جهاد

 

التوقيع

دعوةٌ لزيارةِ بُحُورِ الشِّعرِ الفصيحِ وتبيانِ عروضِهَا في أبعادِ عَرُوْضِيَّة.. للدخول عبر هذا الرابط:

http://www.ab33ad.com/vb/forumdispla...aysprune=&f=29


غَـنَّـيْـتُ بِالسِّـفْـرِ المُـخَـبَّأ مَرَّةً

فكَأنَّنِيْ تَحْتَ القرَارِ مَـحَـارَةٌ..

وَأنَا المُـضَـمَّـخُ بِالْوُعُوْدِ وَعِطرِهَا ..

مُــتَـنَاثِـرٌ مِـثلَ الحُــطَامِ ببَحْرِهَا..

وَمُــسَافِرٌ فِيْ فُـلْـكِـهَا المَـشْـحُـوْنِ
@abdulilahmalik

عبدالإله المالك غير متصل   رد مع اقتباس
قديم يوم أمس, 11:48 PM   #3
ندى يزوغ
( كاتبة )

الصورة الرمزية ندى يزوغ

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 2909

ندى يزوغ لديها سمعة وراء السمعةندى يزوغ لديها سمعة وراء السمعةندى يزوغ لديها سمعة وراء السمعةندى يزوغ لديها سمعة وراء السمعةندى يزوغ لديها سمعة وراء السمعةندى يزوغ لديها سمعة وراء السمعةندى يزوغ لديها سمعة وراء السمعةندى يزوغ لديها سمعة وراء السمعةندى يزوغ لديها سمعة وراء السمعةندى يزوغ لديها سمعة وراء السمعةندى يزوغ لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


حروف عملاقة تجاوزت سماء رابعة و زئبقية الجوى و أعواد الثقاب....
وصلتني رائحة احتراق البخور ..
أعلم أنك جهاد عندما تقرر أن تترك بصمة لا شيء يقف عائقا..
أتمنى لك المزيد من التألق
نص يستحق التثبيت..

 

ندى يزوغ متصل الآن   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 10 ( الأعضاء 0 والزوار 10)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مُعْتَقُ النُّورِ: رِسَالَةُ الْغَرِيبِ إِلَى صَبِيَّةِ الشَّعَاعِ! جهاد غريب أبعاد النثر الأدبي 2 05-11-2025 08:33 AM


الساعة الآن 10:11 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.