وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
طبتم يا رفاق وطابت أوقاتكم
هل يدمن الإنسان الحياة؟! وهل هو مطالب بتقنينها والتقليل منها؟!
العالم الافتراضي حياة تشبه حياتنا الواقعية ولصيقة بها وموازية لها، ولا تعارض بين هذه وتلك ولا تناقض، ففي كليهما يتعامل الحقيقي مع الحقيقي، وإن كان التعامل يتم عبر الافتراضي ومن وراء الشاشات وعبر التقنيات والبرمجيات والتطبيقات وبأسماء مستعارة أحيانا وبصور رمزية لا تظهر شخصية صاحبها الحقيقية ولا تعبر عنها تعبيرا حقيقيًا وصادقا، ففي النهاية نحن أهل العالم الافتراضي وسكانه كما نحن أهل العالم الواقعي وسكانه، وكل تلاعب أو تحايل أو تمويه أو تنكير لا يلغي هذه الحقيقة ولا ينفيها.
وما العالم الافتراضي إلا مرآة مستوية تعكس صورة واقعنا الحقيقية، إلا أنه في الافتراضي ثمة حرية أكبر وتحرر أكثر وكشف أوضح للجانب المعتم منا، الجانب الذي يحرص الناس عمومًا على إخفائه ولا يجرؤون عادة على إظهاره لظنِّهم أنهم في مأمن وفي منأى عن الملاحظة والملاحقة والمحاسبة. الافتراضي هو نحن بكل ما فينا من مزايا وعيوب ومناقب ومثالب وتوافقات وتناقضات، وعلينا أن نعترف بذلك ونقر به. نقطة آخر السطر.
أما الحديث عن الإفادة والاستفادة والإضرار والانتفاع فإننا في حياتنا الواقعية لا نحرص طوال الوقت على ما يفيدنا وينفع غيرنا ولا نتجنَّب دائما ما يضرنا ويسيئ إلى غيرنا، وكثيرًا ما نجرم في حق أنفسنا وفي حقوق غيرنا، ومنا من لا يتورع عن الإثم والظلم والعدوان والمنكر... بل إن منا من يجاهر بالمعصية ويطغى ويكابر ويجادل ويتجاوز كل حد وكل سقف. فلماذا نطالب أهل الافتراضي بأن يكونوا مثاليين وأكثر تحضرًا ورقيًّا وانضباطًا ووعيًا وبلا أخطاء ولا خطايا ولا ذنوب ولا معاصي ولا عيوب؟!
"لا يستقيم الظل والعود أعوج"، ولا يمكن إصلاح الصورة إلا بإصلاح الإصل، والأصل هنا هو إصلاح الواقع وضبطه كي ينصلح حال الافتراضي وينضبط، فإنها النتائج تعتمد على المقدمات، وكل محاولة للإصلاح لا تضع هذه الحقيقة في اعتبارها ولا تأخذها بحسبانها ستفشل حتمًا وستخفق. وقد قيل: "الوقاية خير من العلاج"، والوقاية هنا هي بناء الضمير الذاتي في الواقع قبل الافتراضي وترميم الوازع الداخلي والإعلاء من شأن الأخلاق الحسنة والتعاليم الدينية الصحيحة وردع المخالفات والتجاوزات بالقوانين الضابطة والتشريعات، بدءًا من الأسرة ومرورًا بالمدرسة وانتهاء بالدولة.
أسعدكم ربي وأنعم عليكم
ولكم تحياتي وشكري
والله يحفظكم
