من أ. إلى م. وبالعكس
(هل ثمَّة مَنْ يكتبُ مثلنا؟)
الرسالة الأخيرة
عادة يحضر الكلام بقوةٍ في اللحظاتِ الأخيرة وأصدقه يكون فيها، حينَ تُزاحم الأنفاس عقارب الساعة..!
كتبتُ الكثير، لكني لم أذكر شيئًا
صرختُ ولمْ يصل صوتي لمسمعي..
رسمت الحكايات وعلّقتها على طرقٍ غير مأهولة بالمحبين...!
نعم، هذا دأب الغرباء وهذه أحاديثهم..
الرسائل العابثة لا تُعمّر طويلًا، وأنا وددتها رسائل عابثة بعقل، تُبعثر كلّ شيء وتعيد ترتيبه قبل حلول الظلام.
رسائلي محشوّة بالوجع ..صاخبة وعنيدة، عنيفة وحالمة، لأن الوطن يئن فيها، والأحلام تحلق بأجواء يغمرها الضباب وغير صالحة للتحليق البشري..!
ورغم مافيها فإنّي أكرر:
لم أكتب شيئًا وكل ماقُيل كان هذيان لحظة عارمة.
هذا المساء كان أسيفًا بما يكفي ليجعلني أهطل، دون نيّات مبيّتة على الورق
وإنّي إذ أقفو أثرَ نفسي، وأحومُ حول حمى المعنى، أدنو منه لكن لاأقتحمهُ، كالبحر عندي، ذاك الهائج المعشوق دومًا، أحبّهُ ولا ألجه، أمضي طويلًا في تمعّن نبضي، أُنصت وأُنصِت، فتأتي نبضةٌ حائرة، مجنونة ومُرهفة، جديدة وخائفة، تُربك عقلي واتزاني، وترميني في أوّدية مجهولة، وتُهديني من الدنيا أعذب الأمنيات، فتهطلُ السعادة على استحياء، وتبزغ الشمس لثوان، فأبتسم لللاشيء، لللا معهود، وتأخذني الفكرة بعيدا، أبعد مما رسمه عقلي، فأنحني لأشيائي الحبيبات ألتقطها وأخفيها خلفَ ظهري، خوفًا من أسئلة ظالمة..!
والتزامًا بوصية أبي: ترفّعي عن العشق وكوني أميرة.
مهما قلنا، كلماتنا لاتجد طريق الخلاص..
فالخوف كل الخوف أن تُعتبر هذه الرسائل أدلّة ضدّنا، نحن الذين اخترنا الصّمت ونسينا الكلام ..!
أيها الغريب
لأني أعلم كيف أنا والغربة، لن أسألك كيف أنت والغربة
ولن أطرح سؤالا أعرف ردّه فكم أمقت الأسئلة الباردة والإجابات الجاهزة.
هذه الغربة تزلزلك، فهي إمّا تجعلك مجنونًا أو ضائعًا أو كاتبا،
وربما كل هؤلاء..!
ها قَد كَتبنا وجعنا
ها قَدْ صرخنا
جمهورنا أصم يالغريب وكلماتنا بكماء
وها نحن نُلَملم شعثنا، لنعود لمربعنا الأوّل،
ونعودُ لتلكَ الشّرفة
نحتسي كل صباح فنجان فقد..
نُحدّث المَطرَ عن أحزاننا
فَيُمْسِك
ونهطل ..!
أختك.أ