ياسمينة شامية
حينما زرت مدينة دمشق ؛ ما دار في خلدي بأني لن أرى ياسمينها ، إلا في وجه طفل دمشقي ، لاجئ في مدينة عمان ، ولا أن أستروح شذاه إلا من أنفاسه العذبة ! .
طفل : ما برح يضيء غربة أهله ، فيرونه ملء هذه الدنيا نورا وامتدادا لأرواحهم الحزينة . طفل : كان ﻷهله في شتاء عمان شمسا يستمدون منها الدفء والحنان ! طفل : أيقظ البنفسج من رقدته ، ليخط مشاعر صاحبه المشتاق لشفاه دمشق ، لياسمين دمشق ، لبسمة دمشق .
قرأت في وجهه حقول من البراءة ، تتراقص سنابل القمح في جبينه ، وحيرة في عيونه البريئة ، طفقت أبحث فيها عني ، وعبثا أفتش في بوتقة ذاكرته الصغيرة عن ذلك الياسمين ؛ فقد فارقه رضيعا حينما نفي عنه ، وبات يرضع الخيبة والأسى فينمو كالياسمين بانتظار عودته لدمشق بل بانتظار عودة دمشق له ! .
ويحهم !! كيف جردوه من دمشق ، واجتثوه من صدرها الحاني ، فاستحال لون الياسمين إلى لون بنفسج حزين ! .
كانت عيونه تتسع لتشملني حينما قمت بتصويره ، وطفقت أحدق في أبعاده ؛ لعلني أحيط بما لم ولن تحط به تلك الصورة الجامدة ، كقطعة ثلج في جوفها درة ؛ فأشرقت شمس وبزغ قمر وتناثرت نجوم ! .
كان في وجهه كدمات ؛ علمت من والده بأنه سقط على اﻷرض فأصابته بتلك الخدوش ، فقلت لوالده : لا تحزن لعل تلك اﻷرض من شدة حنينها للياسمين احتضنته وقبلته وهمست في أذنه : بأني لك كما دمشق ، فما كان مني إلا أن همست له أيضا : وأنا لك كما والدك فكن بخير يا صغيري .