منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الشيء الذي ترك لسانه عندي وذهب...
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-10-2014, 09:54 AM   #13
فقـد
( كاتبة )

الصورة الرمزية فقـد

 







 

 مواضيع العضو
 
0 * بيبسي*
0 *Symbology*
0 ... تحية
0 تشيبس عمان ودقوس

معدل تقييم المستوى: 19

فقـد سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية

افتراضي


عندما يعود أبي من عمله، نتحول إلى فراشات ملونة، وتتحول أمي إلى غزال راقص
تتعطر بعطر أبي المفضل الذي تشبه رائحته رائحة الياسمين، وتسدل شعرها الناعم على كتفيها.
كانت أمي تلتف حول نفسها وتجتهد لأن تكون كما يحب أبي،
دون مساحيق ملونة، لأن أبي يحبها هكذا،
مثل الحديقة التي يأخذنا إليها فقط من أجل أن يقول لها بأن رائحة العشب المبلول،
والورد المرشوش بالماء تشبهها أكثر من أي شيء آخر

ذات يوم عاد أبي فجأة،
تفاجأنا عندما سمعنا صوت سيارته التيوتا يقترب من باب منزلنا
كان صوت سيارته مميزاً، لأن محرك السيارة خربان، ولم يهتم أبي بإصلاحه
أسرعت أمي إلى غرفتها ورشت نفسها بعطر الياسمين،
ثم ربطت شعرها على هيئة ذيل حصان وسرحت غرتها على الجنب الأيمن من وجهها
تأخر أبي في سيارته لمدة كانت كافية لأن تغير أمي ملابس البيت التي كانت ترتديها
وتلبس "الدرع اليمني" الذي يحبه أبي، خصوصاً عندما تدخل أمي طرفه بداخل تنورتها الداخلية

عندما دخل أبي ركضنا لعناقه، كان وجهه جاداً
قالت أمي: أوه، فاجأتنا! لم أتجهز لك....
في العادة كان أبي سيقول شيئاً مثل: أنت جاهزة دائماً، أو سيضحك بصوت عال، أو سيطلق تعليقاً مضحكاً تخجل معه أمي
لكنه هذه المرة أمسك بيدها وأدخلها إلى غرفتهما وأغلق الباب!
قالت أمي بصوت عالٍ: مالَك؟
كنا أنا وإخوتي نقف خارج غرفتهما بهدوء على غير العادة

بعد فترة، خرج أبي وقال لنا بأنه سيعود حالاً
نزل على ركبتيه وطلب منا أن نجلس مع أمنا قليلاً
قال بأنها تبكي لأنها لم تودع أبوها قبل أن يدخل الجنة

دخلنا إلى أمي التي كانت تحمل بين يديها ريحانة قطفتها بسرعة عندما سمعت صوت سيارة أبي تقف أمام الباب،
كانت تبكي مثلما قال أبي، وكان رأسها منحنٍ لأسفل
احتضنها أخي وهو يطلب منها أن تفرح لأن أبوها دخل الجنة
أختي نورة، الرقيقة جداً، صارت تبكي مع أمي وهي ترجوها أن تكف عن البكاء
كنت أقف بعيداً وأنا أراقبهم، شعرت بالخوف من ضعف أمي، شعرت بالقلق من رؤيتها هكذا
لم ترفع أمي رأسها ولم تنظر إلينا،
كانت تبكي فقط، برأس منحن لأسفل وهي تحتضن يد أختي التي تحاول أن تمسح دموعها

بعد دقائق عاد أبي واحتضن أمي
استسلمت أمي بين يديه وارتفع صوت شهقاتها
ضغط أبي ظهرها بيديه وقبّلها على رأسها ثم طلب منّا أن نخرج من الغرفة
جلسنا أنا وأخي وأختي أمام باب الغرفة المفتوح ونحن نراقب أبي وهو يحتضن أمي بصمت
كانت يده تمسك بيديها الاثنتين ويده الأخرى تحتضن ظهرها بهدوء
كان يهمس في أذنها بكلمات لم نستطع سماعها،
أعتقد أنه كان يتلو عليها كلمات الصبر والرضى بقضاء الله
بعد أن خفت بكاء أمي رفع أبي رأسها وقال: غداً نسافر إلي عدن، طيب؟
قالت أمي: ومدارس العيال؟
"لا تهتمي" رد أبي بحنان بالغ وهو يقبل يد أمي
ثم ابتسم وهو يقول: ريحان، هاه؟
ابتسمت أمي بين دموعها، ووجها الأحمر يزداد احمراراً أكثر وأكثر

في اليوم التالي، ذهبنا إلى بيت جدي الكبير
مكثنا عندهم أسبوعاً كاملاً تغيبنا خلاله عن المدرسة
عندما عاد والديّ بدت أمي مختلفة قليلاً
كانت تضحك وتتكلم بشكل عاديّ لكنها بدت مختلفة بطريقة لا أعرف كيف أصفها
بعد أن هدأ حزن أمي بدأت تحكي لنا عن بطولات جدّي، أبوها
ولامت نفسها كثيراً لأنها لم تره قبل وفاته
قالت لنا بأنها وعدت والدتها بأنها سوف تزورها دائماً...

ثم حكت لنا عن الطريقة المضحكة التي توفّي بها جدي
قالت بأن دم أبوها خفيف، حتى وفاته كان دمها خفيف
أصيب جدّي بسكتة قلبية نقل على إثرها إلى المستشفى
بات في العناية المركزة أياماً كثيرة قبل أن يستعيد وعيه، ويستقر وضعه الصحي
قالت أمي بأنه تعافى بسرعة وطلب الخروج من المستشفى
وافق الأطباء على خروجه بشرط أن يلتزم بأدويته الكثيرة وأن يكف عن التدخين
وفعلاً، خرج جدي من المستشفى واستقبله أبناؤه وأحفاده بفرح وأقاموا له حفلاً صغيراً
في نفس اليوم، دخل جدي إلى الحمام ليستحم،
ويبدو أنه فقد توازنه وتزحلق وضرب رأسه في ركن أرضية الحمام، وتوفّي!
تقول أمي: هكذا توفي أبي، نجى من سكتة قلبية ثم تزحلق!
بعدها، وضعت أمي شباشب في الحمام وصارت تجبرنا على ارتدائها حتى لا نتزحلق
ظلت أمي هكذا لفترة طويلة حتى تناست الطريقة التي توفي فيها جدي
وكفت عن إجبارنا على ارتداء الشباشب
وصارت تستعملها حول المنزل
أو... كأداة للضرب


 

التوقيع

لماذا أكتبُ كلَّ جملةٍ في سطر؟
لا أدري،
ربَّما لأنَّه التَّوزيع البصري للكلمات بهذا الشَّكل
يُريحني،
ويُبهجني،
وربَّما لأنَّها البعثرة تُعجبني أكثر.

محمد البلوي/ تحت الأزرق بقليل

فقـد غير متصل   رد مع اقتباس