منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - الشيء الذي ترك لسانه عندي وذهب...
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-2014, 09:10 AM   #12
فقـد
( كاتبة )

الصورة الرمزية فقـد

 







 

 مواضيع العضو
 
0 تشيبس عمان ودقوس
0 ... ترتيل
0 * إعلانات *
0 *Sisters*

معدل تقييم المستوى: 19

فقـد سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية

افتراضي


بعد أشهر قليلة من مكوثنا في منزلنا الصغير انتشرت إشاعة كبيرة بين الناس
كانت الإشاعة تقول بأن البيوت التي خصصتها الحكومة للمقيمين في منطقة "الكبرات"
قد انتهى بناؤها، وأن الحكومة في صدد توزيعها على المواطنين
بدأت هذه الخبرية التي سمعتها أمي منذ تسع سنوات،
قبل أن تنتقل من الفيلا الكبيرة إلى عش الغراب الذي نعيش فيه الآن،
في الانتشار بين الناس على شكل إشاعة أطلقتها جارتنا أم سليمان
وما ساهم في انتشارها أكثر، مجيء رجال يرتدون ملابس بيضاء ويحملون أوراقاً بداخل شنط سامسونايت سوداء، ويضعون على رؤوسهم غتر حمراء وعقال أسود إلى منطقتنا
بالنسبة لنا كانت رؤية هذا المنظر مهيبة جداً،
لأننا اعتدنا على رؤية جيراننا بملابسهم الداخلية الشفافة والمثيرة للقرف

أخرج الرجال أوراقهم وطرقوا أبوابنا واحداً تلو الآخر،
حتى وصلوا لبيت جارنا أبو محمد الملاصق لبيتنا تماماً، وطلبوا من ابنه أن ينادي أبيه،
ولأن أبوه كان خارج المنطقة أحضر لهم أمه ووقف معها وهم يسألونها ويسألون أمي نفس الأسئلة: "أين زوجك، كم عدد أبنائك، هل أنت حامل، جنسيتك ؟
وكان هو ينظر لأمه ويجيب عنها وهو يدفعها خلف الباب حتى لا يراها الرجل،
كنت واقفة مع أمي وأنا أسمعها وهي تجيب بثبات"في العمل، يعمل في حقل بترول خارج المنطقة، 4، لأ، إماراتية بالتبعية، نعم زوجي مواطن...."،
ثم أخرج أحدهم علبة أسطوانية غطاؤها أزرق ورش دائرة كبيرة على جدار بيتنا الخارجي

لم تسأل أمي، صار عدد الدوائر الزرقاء ثلاثة
عندما رشّوا دائرتنا الأولى فزعت أمي بشدة،
كانت بيوت الجميع تحمل دوائر حمراء إلا بيتنا، دائرته زرقاء
يومها اتصلت أمي بأبي وهي تلهث،
ثم وضعت الهاتف في مكانه، وجلست نصف ساعة قبل أن تقف وتعود إلى المطبخ

أكملَ الرجال دورتهم على المنازل، ثم رحلوا يلحقهم موكب كبير من رجال ونساء الحيّ،
كان أبو خالد يدعو لبابا زايد بطولة العمر، وأم زهير كانت تغني أغنية وطنية قديمة
خرجنا أنا وعبود صديقي إلى الشارع نرافق الرجال والنساء في موكبهم الوداعيّ
في مساء ذاك اليوم، أقام أبو خالد عزيمة عزم إليها الجميع، رجالاً ونساء
أمي التي لم تكن تحب الاختلاط بأحد لم تذهب وبقيت في المنزل

كانت أمي تفضل النأي بنفسها عن كل المحافل الاجتماعية التي تقام في حارتنا
كانت تقول بأن أبي بعيد عنها معظم الوقت،
وهي تفضل أن تنعزل عن الجميع حتى تبعد نفسها عن الكلام

توقفت أمي عن الاتصال بأبي لإخباره عن تلك المواكب منذ أن اتصلت به آخر مرة ونهرها قائلاً: "كفّي عن مراقبة الشارع واهتمي ببيتك وأولادك"
لم تكن هذه الزيارة الأولى، ولم تكن الأخيرة
سمعنا من العم سعيد بأنهم ناس فاضية، وأن أبو خالد وعزائمه التي لا تنتهي واحد فاضي، وبأن رجال الحي يجب أن يتخذوا موقفاً صارماً تجاه اللكاعة...!
نادى العم سعيد ابنه الأكبر سالم لكي يصبّ القهوة للرجال، عندما وصل الدور إلى عبود، تعمّد صب الكأس على الأرض حتى يغضب العم سعيد أكثر،
وفعلاً غضب العم سعيد وصرخ:"لما تصير رجال ارجع المجلس"
فخرج سالم من المجلس وهو يبكي
كنت متأكدة أن عبدالله سينجلد يوماَ ما، سينجلد وبضراوة
كنت أجلس في مجالس الرجال برفقة عبود دائماً،
ولأن أهل الحيّ يحبوني ويحنّون على أمي بسبب بقائها وحيدة معظم الوقت
كانوا يسمحون لي بالجلوس معهم

وكالعادة مثل كل مرة تحوّلت الخبرية إلى إشاعة توقفت عن النموّ بعد أسابيع قليلة من زيارة الرجال للحي،
في تلك الأثناء كانت أمي قد تأقلمت مع بيتها الجديد وتعلمت كيف تنظفه لوحدها
وعلمتني أن أكنس الساحة الأمامية للمنزل وأسكب الماء والصابون لكي أنظف خراء العصافير
نسيت بيت جدي الكبير، وأحببت بيتنا الصغير أكثر
لكن أمي التي خرجت من أسطورة إغريقية، كانت تجلس في الليل أمام تلفازها الصغير،
تراقب رشدي أباضة وهند رستم،
وتتنهد وهي تحمل أنفاسها إلى أماكن لا نعرفها، ولم نجرؤ على أن نسألها أبداً





 

التوقيع

لماذا أكتبُ كلَّ جملةٍ في سطر؟
لا أدري،
ربَّما لأنَّه التَّوزيع البصري للكلمات بهذا الشَّكل
يُريحني،
ويُبهجني،
وربَّما لأنَّها البعثرة تُعجبني أكثر.

محمد البلوي/ تحت الأزرق بقليل

فقـد غير متصل   رد مع اقتباس