همسَ في أذنها كالراقي الذي يتلو الآيات ليحررها من لعنةِ الذكرى:
حبيبتي لن أسألكِ يوماً عن تاريخِ هذا الجسدِ، لن أنبشَ مقبرة أبطالكِ و لا سأمزقُ رسائلهم فأنا لستُ محققاً جنائياً .. لستُ هنا لجمعِ أدلّة أو التقاط بصماتهم لأتهمكِ بها .. أنا فقط سأطهركِ من كل الذكريات و أستأصل من قلبكِ أوجاعَ الماضي، لا يهمني أبداً من قبّل شفتيك قبلي، لكن تأكدي إن طبعتُ قبلة واحدة على شفتيكِ لن أسمحَ لرجلٍ أن يلمسكِ بعدي، فأنا كالأنبياء .. امرأتي بعدي محرّمة على كل الرجال، آمَنَت برسالته و بايَعَته حبيباً تحتَ شجرة لوز.. داعبت وجهه، خطفها بين ذراعيه و أطالَ العناق، قبلّت يديه، قبلّ قدميها و قال أنتِ بقداسةِ أمّي، أنتِ بقداسةِ الأرض ! طبعَ قبلةً على شفتيها و غرسَ بينَ نهديها وردة بيضاء، ثمّ رحل .. لم يسأل بعدها أينَ مضت ؟ لم يعد لشجرة اللوز يقتفي أثر دمعها، تحوّلت الوردة إلى خنجر، و الجسد إلى رماد، هبّت الريح و تناثرت القبلات، شطرَ الفراقُ قلبها إلى شطرين، عندما علمت أنّه كان تماماً كالأنبياء تلزمه أكثر من امرأة كي ينشر الدعوة ! كالشعراء تلزمه دائماً أكثر من امرأة كي يكتبَ القصيدة، هل يعلم ذلك الفارسُ أنّ تلك المرأة كرهت الأنبياء بعده، و كفرت بالحُب؟