اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادية المرزوقي
بارك الله فيك و في ميزان حسناتك
محاضرة رائعة ،
شيقة ، مختصرة ، وافية
فيه اجتهاد رائع
بانتظار محاضراتك الأخرى
تقبل وافر تقديري و احترامي
ن
|
مرحبا بالشاعرة القدية نادية المرزوقي.
و الشكر لك على حضورك .
و هنا مسائل أحب أن أن يستفيد أو يتذكرها من يمر من هنا :
المسالة الأولى: لا يُشترط في الناهي عن المنكر أن يكون خالياً منه ؛ مع أنه مذمومٌ عقلاً و عُرفا و شرعاً.
أما عقلا فواضح وجه الذم ، و أما عرفاً فلا يزال الناسُ يعيرون من ينهى عن أمر هو يأتيه .. حتى قال الأول :
يا أيها الرجل المعلمُ غيره **** هلا لنفسك كان ذا التعليمُ !؟
تصفُ الدواء لذي السقام و ذي الضنى **** كيما يصحُ به و أنت سقيمً
ابدا بنفسك فانهها عن غيها **** فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ
و أما شرعا ، فقد قال الله تعالى ذامَّاً لمن يأمر بالبِرِّ و لا يفعله فقال : ( أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم )!؟
فإن قيلَ: كيف يكون النهي عن المنكر واجباً على من تعين عليه مع كونه فاعلا للمنكر ؟ سيما و قد أثبتت عقلا و عرفا و شرعا قُبْحَ النهي عن المنكر و نسيان نهي النفس عنه؟
الجواب:
و للعقل مسلكٌ آخرُ في ذلك و هو أن يقال: إن فعله للمنكر مذمومٌ ، و سكوته عن تكرر منكره من شخص آخر مع عدم المانع للتغيير هو إضافةُ قًبْحٍ إلى قبحٍ ، و ميزان العقل يذم القًبْحَ المتعدد أكثر من القُبْحِ الواحد.
و أما عُرْف الناس فيمكن التغاضي عنه لأن من الأعراف ما لا يستقيم مع العقل السليم.
و أما شرعا : فكل مسلمٍ مأمورٍ بتغيير المنكر بالطرق المتاحة المشروعة له . خصوصاً أن النهي عن المنكر خصيصةٌ وقائية و ليست تعبدية محضة بل هي تعبدية بالتَّبع ؛ لأن الغرض منها وقاية أهل السفينة من الغرق.
فالعاصي في جزئية معينة عليه إثم معصيته ، و له أجر تغيير المنكر. و كما يقول علماء الأصول : الجهةُ منفكَّةٌ ، عليه الإثم و له الأجر ، و لربما تعادل عند الله إثم فعل المعصية و أجر النهي عنها.
و يمكن الجواب عن الآية ( أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم )!؟ بأنها في باب الأمر بالمعروف و ليست في النهي عن المنكر ، و لو قيل بأخذ مفهوم المخالفة منها في جانب النهي عن المنكر كـ( أتنهون الناس عن المنكر و تنسون أنفسكم) فهو مفهومٌ محمول على التقريع و الذم و التعيير لغرض زجر فاعل المعصية عن معصيته لا لغرض منعه من فعل الخير.
المسألة الثانية:
هل لكل أحدٍ أن يغير المنكر بيده؟
الصحيحُ : أن الأمر يختلف بحسب اختلاف ولايات الأفراد في المجتمع.
فالأب و الأم و من في حكمهم عليهم أن يغيروا المنكر في بيتهم بأيديهم مع مراعاة الغاية من التغيير و اتباع الطُرُقِ المُثلى في التغيير .
و كلُ مسؤول عن جماعة أو أفرادٍ فعليه فعل ذلك بيده و على نفس المنوال السابق .
و أما ما عداه فلا يحق لهم ذلك . لأسباب عديدة يطول شرحها.
و يحضرني هنا قول الله تعالى ( و من قُتِل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل )
اتفق أهل العلم على أنها مصروفةٌ (جمعا بين الأدلة و دفعا للتعارض) إلى حالات خاصة جدا ؛ كأن يكون السلطان أو النظام مفقوداً فله أن يأخذ حقه بنفسه ، أما حين استقرار النظام و اجتماع الناس على إمام فلا يجوز ذلك ، بل عليه الرجوع إلى القضاء. و إلا لفًتح بابا عظيما من الفتن و التشفي و الإنتقام . و لما كان من وجود القضاء و العلماء فائدة في هذه الحالة.
و الله أعلم.