منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - ذلك الجهول
الموضوع: ذلك الجهول
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-25-2012, 03:20 AM   #26
إبراهيم بن نزّال
( أدميرال )

افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالرحيم فرغلي مشاهدة المشاركة
حين يكون الألم كبيراً تعجز الحروف .. فإن تنفست فأنفاسها ضعيفة .. فمنكم المعذرة .
=========


نعم .. هاتي الشاي .. وارفعي قدره بنعناعٍ شهي .. علّه يعتذر لي عن مرارة الأخبار .. عن الأجساد الطاهرة في الطرقات .. عن الأحلام المذبوحة في العيون .. عن ( بابا ) المصلوبة على شفاه الصغار ، والمدن مقطوعة الرؤوس .. والشجر الذي يمد عينيه إلى الأرصفة وينوح ، والشفق الأحمر يترقرق على الأرض .. فلا غيمة تناجيه ولا شمس تبكيه .

ـ نعم .. هاتي الشاي .. ولا تدلليه بحبات السكر .. فالأطفال أمامي لا ظلال لهم .. أرواحهم تفوح في المكان .. ضحكاتهم مشنوقة عند الباب .. ملابسهم يغازلها البلل ، لعبتك هنا يا نضال .. لستُ أدري ما يخيف القتلة من سيف خشبي صغير .. وأنتِ يا مرام روحكِ تحوم حولنا .. فعروستك لم تزل تبتسم .
من ينزع الصرخات المحشورة في فمي .. من يكنس البكاء المتراكم على جلدي .. من يكذب عليّ ويُفهمني أنه تاريخ قديم ، يأتي الصباح .. متعكزاً وجهه البالي .. يقدم واجب العزاء .. يشرب قهوته .. يمضى وننساه في ورقة التقويم .. في غياهب الجبال وأسرار البحار .. وحين يصحو يتعثر المسكين بشهادات الوفاة ووفاة الأخلاق .

ـ نعم .. هاتي الشاي .. وأجعليه أسوداً كالقار .. بلون اليأس من خُلق الطغاة .. بلون قلوبهم .. أي شهوة تمتطيهم ليستهينوا بأرواح البشر .. كراسيهم مترفة تعطرها الدماء ومنقوشة بصرخات النساء .. مطامعهم باتساع البلاد .. تلتهم كل شئ وترمي لعبيدها الفتات .
كما هو الإنسان .. إبن الطين .. جشع إن وجد الماء .. وبالماء أرزاق العباد .. دوما يتسخ به البياض .. يا إبن الطين .. قابيل لم يزل يسكنك .. ويطوع لك قتل أخيك .

نعم .. هاتي الشاي .. ولا تتذمري كعادتك من بيتنا .. من الأثاث المدسوس في ذكرياتنا .. من الثلاجة المؤرخة بعمر ابنتنا .. من الخادمة المؤجلة من زمن بعيد .. والستارة المصلوبة كحكاية قديمة .. هذا كله لا يليق الآن .. دعيني وأطفئي الأنوار .. فلا تتعثر المرآة بوجهي .. لا أري الحيطان وهي تكيل لي الشتم والسباب .. لا أشعر بالمكان يريد أن يلفظني .. فقط لأني إنسان .


للنصوص النثرية موضوعين اثنين، موضوع مفردة وموضوع معنى،
وقد يطغى أحدهما على الآخر، ولكن بهذا النص قد كانا عاليين جدا ومقدار علوِهما لاوصف له،
أستاذي: عبدالرحيم فرغلي، أتعلم أن لهذا النص مخارج عديدة، وكل مقطع منه يحتمل المخارج الثلاثة،
بلى فهذا النص له تلاميذ كثر وأنا منهم، بحق بقدر الألم الكبير في عمق النص وافتتاحيته وخاتمته إلا أنه أرواني ودرّسني.
فشكرا لك أستاذي، تحياتي

 

التوقيع

وقلم، قارب.

إبراهيم بن نزّال غير متصل   رد مع اقتباس