حينَ يُنظر إلى الأكابرِ من خلالِ مشهور ما سُطر عنهم نجد أن جانبا واحداً فقط هو المذكور، و هو المشهورُ فقط، و أما الجوانب الأخرى فلا تُذكر عادة، لأن المترجمين للناسِ يتناقلون بالنسخ و اللصقِ، كعادة التاريخ. و عمر من أولئك الذين لم يُذكر كثيرا عنه إلا قوته فيما يعتقده، و قد غضَّ المؤرخون النظر عن الكثير من جوانب حياته. هنا في هذه القطعة الرائعة وقفاتٌ بعيدةٌ تسري في عُمق كلمات عمر، فهي ليست كلمةً منه تحكي صفة و منهجا له، بل هي قانون لكل حازم، و دستور لكل قيادي، و نبراس لكل حاكم، كأنه يقول: لا تخدَع. و إياك أن تُخدع. أرمي برؤية أخرى، كثيرا ما يذكرها الناس، و هي أنك لا تُعامَل إلا كما تُعامِل، فإذا أراد شخص ألا يُخدَع من طرفِ أحدٍ فلا يكن هو خدَّاعا، ومتى وقع الإنسان في الخِداع، أسقطه الله في يد أضعف خلقه. أخرى : الواثقُ لا يسلك مسالك المواربة، و لا يتخذ الخفاء، لذلك كانت كلمته منطلقة من نورٍ أعمق حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن له خائنة عين، حين قالوا له: لولا غمزت بعينك. لأن خيانة العين، الغمز، من القائد و الواثق و المصلح دليل على ضعفه. لذلك فنبراسُ عمر من فانوس محمد، و اكتمل العقد بعبائرك الرائعة، فشكرا قيدَ ورد شذى