الحلم الرابع
قام سعيد وتأهب للخروج من المنزل للتسكع مع أصدقاءه طبعا، فهو لا يذاكر دروسه بقدر خروجه مع أصدقاءه ليل نهار بعكس أخته المجتهدة فـسارة من الفتيات اللاتي يذاكرن جيدا، متفوقة في دروسها ولكنها لا تكافأ بقدر المكافأة التي ينالها سعيد رغم عدم تفوقه في الدراسة، فهو فوق كل ذلك غير راضي عن تصرفات أهله، فهم في نظرة لا يصرفون عليه وهو كل يوم يأخذ حقه وحق "البنزين" وتخرب السيارة ويتدلل على أهله الذين يصلحون سيارته التي حصل عليها في لمرحلة المتوسطة والفرق بينه وبين أخته طبعا كبير فهي _التي تصغره بسنة_ قد حصلت على "اللاب توب" وهي في الكلية وبعد جهد في إقناع والديها وهي أيضا لا تحصل على "مرتب" يومي مثل أخيها، إضافة إلى أنها مكبوتة المشاعر، لا أبيها ولا أمها يسمعون لها، فالفراغ بينهم كبير جدا. المهم سعيد الغير راضي عن تصرفات أهله، يذهب لرفاقه ويستأنفون يومهم بالتجول في أرجاء المدينة.
- عمر هيا لنذهب لصالة البلياردو قبل ازدحامها.
- نعم فقد أحضرت معي زلاجاتي حتى أتزلج هناك.
- لا داعي فهناك منها الكثير.
- أعرف ولكني اشتريتها جديدة ولا أريدها أن تنام في الخزانة كبقية ما لديك فأنت تشتري وتخزن وكأن لديك هواية جمع الزلاجات.
- لا لا أنا لست بجامع زلاجات. أتعرف هوايتي أنا هي الطلبات !!!
- الطلبات !! ماذا تعني ؟؟
- لدي قدرة على الإقناع وكلما أطلب شيئا من أهلي لا يرفضون، بالإضافة إلى أنني الأكبر سنا في العائلة.
- آه منك أنت لو كنت والدك لن أوافق على شيء مما تطلبني إلا إذا كان ضروريا.
- الحمد لله أنك لست والدي.
ضحك الاثنان وبينما هم في عمق أحاديثهما وصلا إلى صالة البلياردو، لم تكن مزدحمة كثيرا مما سهل عليما الدخول فقد جاءا مبكرين، ذهبا إلى طاولة وأخذا يلعبان وينتهزان الفرص كي يغلب أحدهما الآخر، فقال عمر:
- ألا تريد أن نستريح قليلا ونشرب شيئا ؟؟
- حسنا لنجلس هناك ماذا تريد أن تشرب ؟
- أريد قهوة "سادة"
- حسنا.
ذهب سعيد وطلب قهوة واحدة ومشروب "بايسون"
- لا أدري ما الذي يعجبك بهذا البايسون !!
- إنه لذيذ جربه.
- لا قد جربته مرة ولم يعجبني فالقهوة ألذ بالإضافة إلى أنه تفتح الذهن.
- يا أخي الناس أذواق أنت تحب البايسون وغيرك يحبه.
- صحيح.
وجاء النداء :
" الرجاء من الأخ سعيد الحضور إلى الإدارة "
- اسمع أنهم ينادونك، ترى ماذا يريدون ؟؟
- لا أدري دعني أذهب وأرى.
ذهب سعيد إلى الإدارة ليفهم ما يجري :
- نعم، ما الذي يجري ؟؟
- هل فقدت شيئا ؟؟
وبدأ يبحث عن محفظته ويفتش في جيوبه، وجد فيها باقي النقود التي صرفها عندما أحضر القهوة و"البايسون"، أما المحفظة فلم يجدها
- آه، نعم محفظتي سقطت مني.
- حسنا ما اسمك بالكامل ؟
- سعيد هلال أحمد.
- كيف هو لون محفظتك ؟ وما لونها ؟
- جلديه ولونها بني.
- ها هي وانتبه لا تضعها مرة أخرى.
- شكرا لكم.
- عفوا وانتبه مرة أخرى.
انصرف وذهب إلى صديقه عمر الذي بادره بالأسئلة. فقال سعيد:
- محفظتي ضاعت ووجدوها لي جزاهم الله خيرا.
- الحمد لله أنك وجدتها وإلا لن نتعشى الليلة.
- أهاا يعني أنت فرح من أجل العشاء وليس لي.
- للاثنين معا ولكن لا تنسى فالدور دورك.
- صحيح.
جاء نداء آخر ...
" سنبدأ الآن السحب على أرقام البطاقات تفضلوا بالدخول إلى المدرجات ... سنبدأ الآن ..... "
- هيا لنذهب.
وصلوا المدرجات واتخذوا مقعدا لهم، ومن ثم تجمع الناس وامتلأ المكان، وبعد خمس دقائق...
- " نبدأ الآن السحب والرقم الذي سيسحب سوف يسأل سؤال وإن أجاب عليه سوف يكسب سيارة "ميرسيدس بينز" موديل 2006... "
- " بسم الله الرحمن الرحيم الرقم هو 001006 نكرر الرقم مرة أخرى 001006 "
يخرج من بين الحشد صبي عليه ملامح يبدو في الحادية عشر من عمره، ويتذمر سعيد "لماذا لم يكن أنا ؟؟" ويُسأل السؤال وقد أجاب عنه بكل سهوله فربح السيارة وأصبح أكثر سعادة أما سعيد الذي يبدو عليه أنه سعيد فقد حزن على حظه العاثر، فانصرف هو وصديقه إلى طاولات البلياردو.
- آه خسارة لم أفز بها.
- يا لحظنا العاثر لو فزت بها أنا لكان أفضل من هذا الصبي.
- ماذا لو فزت بها أنا. آه سوف أكون من أسعد السعداء.
- كل ما بين يديك وتريد أكثر، أتريد الحق أنت طماع.
- ولماذا لا يكون الطماع هو أنت ؟؟ فأنت أيضا لديك سيارة.
- دعنا من هذا الحديث وقل لي إلى أين نذهب الآن ؟\
- أم م .. دعني أفكر ألا تريد أن نذهب إلى مزرعتنا ؟
- مزرعتكم ؟ قد مللت الذهاب إليها، لماذا لا نذهب إلى بيتنا ؟
- وماذا في بيتكم ؟ حتى أنا قد مللت بيتكم.
- أأخذ "لاب توب" أختي وندخل "الانترنت"، فهي دائما أجدها تتسكع في "منتديات أبعاد أدبية". إني دائما أقول لها ذلك كما تقول لي أنت دائم التسكع في الشوارع وأقول لها بل أنت التي تتسكعين في هذا المنتدى والآن لم تدخل المنتدى منذ شهور فهي تنتظر تركيب "الدي أس أل"، آه يا لصبر الفتيات.
- لا تلمها فالفتيات دائما في المنزل كأختي لا تخرج، لا يوجد لهن شيء في منطقتنا حتى يذهبن إليه، وماذا عن "منتديات أبعاد أدبية" لماذا لا تسجل فيه ؟؟
- لا أعرفه فقط أختي هي التي سجلت فيه ولم أسألها عنه لأني أصلا لست قريبا منها حتى أسألها، أتصدق أننا قليلا ما نتحاور مع بعض في المنزل بالإضافة إلى أن لها عالمها الخاص في البيت، فقليل ما أراها تشترك معنا في حوار، دائما أجد معها دفتر وتدون فيه وتكتب كثيرا لا أدري ماذا تكتب وتسجل ما في دفترها في "اللاب توب".
- لماذا لا تسألها ماذا تسجل، المفروض أن تكون قريبا منها وتسمعها.
- عمر، أقول لك لماذا هذا الاهتمام بأختي ؟؟
- لا ليس كما تفكر فيه يا سعيد ولكنني أحيانا عندما أرى أختي أحس بأن لديها أشياء وكلام ولكن لم تجد من يسمعها، أتراها تدون أكلات ووصفات ؟؟
- لا، لا أعتقد فأختي ليست من هذا النوع، فهي لا تحب المطبخ وأمي دائما تقول لها تعالي كي أعلمك الطبخ حتى تتعلمي لزوج المستقبل، فتقول لها والله لن أتعلم الطبخ إذا كان غرض الزواج مني الطبخ لن أتزوج، فالحياة ليست أكل وطبخ، في الحياة أشياء كثيرة، ثم تصمت وكأنها تريد أحدا يقول لها تعالي وقولي ما في خاطرك من كلام.
- إذن بما أنك قرأت وعرفت ما في عينيها من كلام لماذا لا تناديها وتقول لها قولي ما في خاطرك من كلام ؟؟
- لست قريبا منها حتى أتجرأ وأقول لها ذلك وأقول لها ذلك حتى أنا أتمنى أن يسألني أحد في المنزل أو أجد أحدا يسمعني فقط.
- وأنا لا أكفيك ؟
- أنت صديقي ورفيق طفولتي ولكني أريد شخصا أكبر مني يفهمني ويحل مشاكلي النفسية وأنت في مثل سني ولا أعتقد أنك سوف تحل مشاكلي بل مشترك معي في الهموم.
- صحيح ولكن ألا تفكر في الزواج ؟
- لا ليس الآن دعنا نكمل دراستنا أولا ثم نتوظف لنعتمد على أنفسنا ثم نتزوج هكذا تأتي المعادلة.
- طيب هل يجب أن تتوفر صفة الطبخ في زوجة المستقبل ؟
- لا ليس شرط المهم أن ما تصنعه من بين يديها هو اللذيذ. فأنا أتفق مع أختي في أن الحياة ليست أكل وإنما حب ومشاعر.
- لا تقل شيئا أخاف عندما تتزوج وتمضي السنوات تبدأ بالتذمر عليها أين الغداء ؟ أين العشاء ؟ لماذا هذا بهذا الشكل ؟ ولماذا هذا بذلك ؟؟ تذمرك كثير أعتقد.
- لا، لا تظلمني فأنا حنون.
- المهم لم تقل لي أين نذهب للعشاء.
- هناك مطعم جديد قبل أسبوع تم افتتاحه.
- من أين جئت بالخبر ؟
- من وكالة أنباء والدتي وصديقاتها في المدرسة طبعا.
- إذن هيا لنذهب تفقد محفظتك.
وذهب عمر وسعيد إلى المطعم للعشاء وهناك أكلا كثيرا ثم رجع كلن إلى بيته وقد كان سعيد مستغرق في التفكير بالحديث الذي دار بينه وبين صديقه في صالة البلياردو، ولما وصل إلى البيت ذهب إلى غرفته، تمدد على السرير وتناول رواية "كوابيس بيروت" من الدرج الذي بجانب السرير، وأخذ يقرأ بها كابوسا كابوس وكالعادة غط في نوم عميق والرواية على رأسه، فسمع أصوات حيوانات مختلفة، كلاب تنبح وزقزقة طيور جائعة ومواء قطط جريحة والكثير من الحيوانات ثم خرج من شقته في "بيروت" ليشاهد بيروت تحترق والناس كلها تجري من حوله وهو لا يدري ماذا يفعل، أيركض مثلهم ؟ أم يرجع لشقته كي ينهار عليه السقف والجدران ؟ أو يبقى خارجا فتأتيه رصاصة قناص محترف في الصيد ؟ إنها تحترق وهو متخبط فكريا وفجأة استدار فإذا بكتلة من نار تلحق به و يركض ويركض وكان فزعا خائفا من هول المنظر لا يرى إلا الناس تحترق من أمامه ويحاول المناورة كي لا يؤخره شيء وسقط في قاعة المحاضرات عندما نهره الأستاذ لماذا أنت متأخر ؟؟
- أنا .. أنا .. كنت ..
فقال الأستاذ بغضب شديد:
- أهذه محفظتك ؟ بصراحة أنت شخص ضائع.
انتهت المحاضرة فرن جرس الكلية عندها رن جرس المنبه وقام سعيد فزعا من حلمه ....