الشعـــــر
أكثر الدراسات تقول بأن الشعر العربي نشأ واكتمل بمائة وخمسين سنة قبل مجيء الإسلام . وقد اختلفت أهواء العرب في تحديد أول من أجاد الشعر وتصرف به , متغاضين عن صاحب البيت أو البيتين أو الثلاثة أبيات , باعتباره ليس شاعراً , إذ أدعت كل قبيلة عربية بأن شاعرها هو أول من قال الشعر . فقالت اليمانية إنه . امرؤ القيس , وقالت تغلب بأنه المهلهل , وقالت بنو أسد هو عبيد بن الأبرص. وهذا الخلط في الادعاءات يؤكد على جهل العرب بمن بدأ الشعر, وأول من نظم القصائد الطوال .
الحديث في هذه المسألة أو الإسهاب بها لا يفيدنا في شيء , فعملية بدء الشعر أو أول من قال الشعر , أشبه ما تكون بمحاولة التعرف على أول من نطق العربية , لأن الحديث في هذا الشأن لا طائل منه, غير أن إمكانية التعرف على سبب نشوء الشعر , عائد إلى أسباب قد تبدو منطقية أو قريبة من المنطق . فمن المعلوم بداهة أن الكلام المنثور سابق الكلام المنظوم , ولما تشابكت مصالح الناس وتقاطعت مصالحهم في بعض الفترات التاريخية , احتاج العرب إلى تدوين أيامهم وتسجيل مآثرهم , والتغني بمكارم الأخلاق لديهم , لحث الآخرين على الجود والكرم , وذكر أوطانهم التي هجرها ووصف الأطلال التي تركوها منذ أيام الشباب , ومن أجل تسجيل أسماء فرسانهم , لجأ العرب إلى قول الشعر , وكانت أول أوزان الشعر جاءت عن طريق التناغم الإيقاعي مع سير حركة الإبل وتتابعها في المسير , إذا نشأ أول ما نشأ كما يقال شعر الحداء , ولما تطورت أمور العرب , ونشبت الحرب فيما بينهم , أخذوا بعض الأوزان من إيقاع صوت الحرب وقرقعة السيوف , كما تقول المصادر في هذا الشأن , ومع تداخل مصالح الناس , أخذ الشعر العربي يتطور ويتطور ويتغلغل في الحياة والطبيعة . فنشأ لدينا ثلاثة أقسام كما يقول الرافعي كالأمور الغيبية والتغلغل في حياة الناس و الامتزاج بمظاهر الطبيعة والمحسوسات من حوله , وكون العرب الجاهليين كانوا عباد أصنام لم تظهر قوى الغيب الخفي في شعرهم بشكل جلي وواضح ، وذلك باعتبار أنهم وثنيون لهذا كان أغلب شعرهم شعر مادي خالٍ من الجوانب الروحية . وعندما جاء الإسلام بقيمه الروحية السامية وتعاليمه الجديدة ، اكتشف العرب أموراً لم يكونوا يعرفونها كالملائكة والجنة والنار ويوم القيامة , والأمور التي يمكن إطلاق عليها هذا المفهوم الفلسفي المجرد , وهو علم الميتافيزيقيا – أي علم أمور ما وراء الطبيعة – وهذا منثور في قصائد شعراء الزهد والتصرف , والقصائد التي يغلب عليها الروح الدينية .