منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - رسائل لن تصل .. !
الموضوع: رسائل لن تصل .. !
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-07-2008, 08:08 PM   #2
د. منال عبدالرحمن
( كاتبة )

افتراضي


رِسالة إلى " مُخلص " صَديقِ الطّفولةِ القديم ,
المغروسِ يعمقٍ في جذورِ الاشجار , الغارقِ في نُسغِ الأزهار , المُتكامل مع انطباعاتِ القمرِ على وجهِ نهرِ مدينتنا العتيق الرّاكدِ ليلاً تهجّداً و ايماناً بأنَّ الله في كلِّ مكان , و أنَّ الوفاءَ في مكانِ الكلّ :

قربَ منزلنا حديقةٌ تُشبهُ تلكَ الّتي كنتَ تلمُّ أغصانَ أشجارها الّتي كسرها الصّبيةُ الآخرونَ , ثمَّ تمزِّقُ قميصكَ الأبيضَ و تلفّها بقطعهِ الغارقةِ برائحةِ طفولتكَ و ابتسامتكَ , و تُقنعني بنظرةٍ رجوليّة أنّها ستخضرُّ من جديد .
كنتُ أصدقّكَ حتّى حينَ نُفاجئُ بها بعد أيّامٍ عدّةٍ ملقاةً على الأرضِ مع قطعِ قميصكَ الممزّق فتقولُ لي , أنَّها أغصانُ اخرى و أنَّ اغصانكَ تعافت و أثمرت !

كنتُ أصدِّقكَ بدمعةٍ , و كنتَ تدمعُ لي بصدقٍ .

في الحديقةِ قرب منزلنا شجرةٌ , غُصنها مكسور و على جُذعها نقشَ طفلانِ صغيرانِ عبارةً كعبارتنا , و تعاهدا على الوفاءِ عهدَ طفولةٍ لا يُشبهُ الأغصانَ و قميصكَ الأبيض !

في الحديقةِ قربَ منزلنا , كنتُ أعدُّ على أغصانِ الشّجرةِ عمرَ السِّنينِ القادرةِ على الغياب , عُمرَ الأشياءِ الّتي تخذلنا و عددَ الأطفالِ الباكينَ في ليلةِ أوّلِّ الشِّتاءِ من كلِّ عام !

في الحديقةِ قرب منزلنا , قرأتُ على ثغرِ عصفورٍ , كيفَ يكونُ الحزنُ أقسى و أكبرَ منّا , وكيفَ تتحوّلُ ريشاتُ الحُلمِ فجأةً إلى ضباب , و كيفَ يُغلقُ بابُ القفصِ على أجنحتنا و يُهدي نومنا للعدم !

في الحديقةِ قرب منزلنا , تذكّرتُ قميصكَ الأبيض و أغصانكَ التي تُعاودُ الالتئام , و ثِمارَ كذبتكَ النّاضجة , و عهدنا الموؤد !

 

التوقيع

و للحريّةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ

د. منال عبدالرحمن غير متصل   رد مع اقتباس