
هيَ لا تتذكّر , أأحبّته منذ البدايات , ولو بقدرِِ ضَمّة أم لا ؟ !
كل ما تتذكّره أنّه كان حبيبًا على هيئةِ ورق ..
متوّفرًا , محِفّزا لأدراجها المملوءة بالمبتور و الليّن ,
واسعًا قابلًا للتشكّل و يحملُ رائحةً خشب نظيفة ..
أو هوَ بقولٍ أكثر تركيزَا , حبيبًا على هيئة ورقٍ مركوم فوقَ مكتبها الصغير ,
جاهزًا أكثر من المتوقّع لِأن تمارسه .. ثابتًا , بخلفيّة راكدة وآمِنة !
في الحقيقة ليس هذا ما أودّ قولهُ بالتحديد , لَربّما كان الوصف الأمثل
أنّه كان حبيبًا على هيئة ورقٍ مركوم فوق مكتبها الصغير وبجانبه قهوة باردة ..
-نعم " هكذا أفضل " – كانَ المنسيّ مرةَ بعد مرّة لأمورٍ أخرى أكثر إلحاحًا
,مأتيّا حين يبرد ومرهونًا بالمزاج , منسيّا أعني ذلك النِسيان الـ ما يتركُ في أثرهِ
تمزّقًا أو لحنًا خافتًا يعرشُ على القلب , ذلك النسيان المرتّب المتسلسل و الناتجُ
عن اعتيادِ الفجوة !ذلك النسيان المتأتّي عن مساربٍ دقيقة لا تُلحظ ,
كمثلًا ألّا تتمكّن من التركيز في أي شيء يخصّه منذ قرابةِ السنة ,
حتّى أنها لا تتذكّر بالدقّة متى نفدت منهما تلك الخفقة , أعني متى اختنقت به
فملّته ؟ ! هي تعلم فقط أنّ هذا الشعور بالألفةِ يُفنيها , أن تحفظَ
تعرّجَ ضحكته بذات الوتيرة كلّ مرّة , تقويسة حاجبيه حينما تُدهشه ,
رائحة الحريق في غضبه , نوع معجون أسنانه , نشازُ أغنياتها الحلوة في فمه ,
ألّا تكون في حاجة لسؤاله عن سبب تلك النظرة , أو مردّ هذهِ الهمهمة ,
عن نوع قهوته وعلائمِ مزاجه , أن تستطيع- فيما لو أرادت _ اختصار
المزيد والمزيد والمزيد منه في توقّع واحدٍ كبير وصالح لكل الاستخدامات !
أن تقلعُ عن دهشاتِ أصابعها , عينيها , حواسّها عند الجلوس إليه .
أن يروحُ فيها كعادة مثلُ زِحامٍ يوميّ يزكمُ رئتيها .
هذا كلّه يجعلُ منهُ أمرًا ثانويَا وساذجًا , كائنًا برتابة لا تُحتمل * بحيث تكفيها
لحظة واحدة فقط لتحضرهُ حيّا من ذاكرتها دون الحاجة
فعليّا لوجوده ..