![]() |
تقنية اللون في الشعر الشعبي
مدخل: يقول سيمونيدس الشاعر اليوناني: (الرسم شعر صامت والشعر تصوير ناطق).
إن اللون في النص الشعري يتعدى محوره البصري ليستقر في الإدراك الحسي الذهني حاملا رموز وإشارات لها دلالات معينة لدى الشاعر في نصوصه، ومن المعروف أن هناك ثلاثة ألوان رئيسة تشتق منها بقية الألوان الأخرى ألا وهي (الأحمر، الأزرق، الأصفر) وعبر مر العصور ارتبط اللون بدلالات حسية تعبيرية ترمز لمفهوم دلالي اتفق عليه كرمز وشفرة متفق على معناها. وعلى سبيل المثال اللون الأبيض للسلام والأخضر للخصب والحياة والديمومة والأحمر للحرب أو الحرية أو الرومانسية، والأصفر أحيانا يستخدم للفرح والبهجة وأحيانا للحزن والشجن والأسود للحزن فأصبحت هذه الدلالات الكثير من الكلام عن طريق تراسل الحواس بالإيحاء والتكثيف لهذه الألوان عن طريق الشعر أو الرسم. يقول الشاعر الكردي شيركوبيكهس عن تقنية اللون في شعره: (في نيتي أن أغير لون الشعر -إلى لون لم تدركه اللغة بعد- ولم تحلق في فضائه لغة بعد -وإلا لن أكتب الشعر أبداً). وهو الشاعر الذي وضع لتقنية اللون نصيبا كبيرا في شعره، وتميز به على مستوى تجربته الشعرية وكتب ملحمة شعرية أسماها (إناء الألوان) بحيث يؤسس ملحمته الشعرية على فلسفة الألوان كما يراها في عالمه الداخلي الممتزج مع حواسه معتمداً على «إيحاء لغوي قائم على أساس مزج الدالات الذهنية بالدالات المسموعة واكتساب إحداهما لخصائص الأخرى، بمعنى أنه يمنح اللون خصائص صوتية تمتزج بخصائص الرؤية فتشكل لوناً شيركويا قادراً على الولوج الملحمي إلى عوالم الإنسان الداخلية والخارجية». لذا أصبح اللون له تأثيره الواضح على المستويات البنيوية والبلاغية والتعبيرية عن طريق الصورة الشعرية كما قال عنها س.داي لويس (الصورة الشعرية رسم قوامه الكلمات) فتشير إلى حالة فيزيولوجية، نفسية، اجتماعية، دينية ومنها يأخذ النص دلالاته ورؤاه حسب الرؤيا المراد إسقاطها في أعماق النص، حيث إن توظيف اللون أصبح يمثل وحدة جمالية دالة ووسيلة اتصال بين الشاعر والمتلقي، فالتوظيف الفني للون عند الأمير بدر بن عبدالمحسن ينطلق من مرجعيات فكرية واجتماعية وثقافية والنفسية، ونلاحظ هنا كيف وظف اللون الأبيض كبراءة فعلية للطفل من (الوعي البصري) كما يسميه د.ج.لورنس إلى (وعي ذهني) بحيث يستخدم اللون أحيانا بقيمته المباشرة (الأبيض) أو غير المباشرة (الثلج) مما يزيد من قيمة النص الشعرية. نودع الطفل.. في وقت الخروج..من الابيض.. وبين الزبد والموج.. نحرق ثيابه.. ونسن انيابه وتبقى البراءة ثلج.. والزمن شمس.. واعمارنا غابة.. وكلما كبرنا.. تكبر الغابه.. وهنا استخدم البدر اللون الأزرق كرمز للصداقة وكلما بغينا نجتمع.. تحت المصابيح الزرقا.. يطيح منه رذاذ.. اما انهمر فرقا.. والا تقطع وصل.. يا ماطر الليل.. أما الشاعر عواض العصيمي فله طريقته الخاصة في التعامل مع الألوان في نصوصه يقول في نص (عنك) عن اللون الأحمر في الحكي والحوار: عنك ابا احكي كلما مديت للهاجس قلم ويعتبر اللون الأبيض من الثيمات المهيمنة في شعر عواض العصيمي وأذكر لكم بعض الأبيات التي أورد فيها هذا اللون، من نص «الباب عنك» كلما فاض الشفق بالورد واحمر النقاش الباب كان.. وموجة الصبح فالكف ومن نص «شاعر» تختال بيضا والثرى كله جروح يهمي كما تهمي على وبلها بروق أما الشاعر إبراهيم السمحان من نص الناقة يقول عن اللون الأبيض ودلالاته: غصن البياض اللي لبس دمعته تاج يزهر على كفه من الموجه حروق واذا انتشى فيه اللهب يزهر امواج وان ما طعن بعروقه البيض مخلوق ارخى على وجه الأسى عين وحجاج كنه على حد الورق كف وعروق زيت كسر في حضرته عتمة سراج تستوطنه فكرة بيضا وبراقه وفي نص «صفرة الليمون» حيث وظف بنية اللون الأصفر في سياقه النصي الإبداعي، كرمز للشحوب والذبول في حضور شعري سردي جميل: والى استقرت على الكفين يفهقها تخيل صفرة الليمون وذبالة عشق وشيخ معطي ظهره تسلسل في مرايا اللون تنامى بشكل ماله حد صفق بيديه.. وإنثالت.. فراشات بلون غبار صفق ثاني.. تنامت موت وتلاشت ومن نص «درب الحجاز» يؤكد لنا الحميدي الثقفي أن اللون يخضع (لوعي فعلي) وذلك بتوظيف اللون الأخضر حسب حالته النفسية هو وذلك لاختلاف التوظيف من شاعر لآخر حسب المكان والزمان والمجتمع: بس ماخذت من وقتي نهاية مطاف دمي اخضر ورماي القفا ما يصوب أما الشاعر نايف صقر فقد أفرد نص كاملا «الوان» ضمن فيه الألوان ودلالاتها اختار لكم منه: الأحمر زهرة الرمّان واحساس الخجل والدّم ومن هنا نستنج أن الشاعر يستخدم الألوان للتعبير عن الحالة النفسية المراد إيصالها للمتلقي أو لرسم صورة شعرية بالألوان فلكل شاعر علاقة خاصة نفسية - ذهنية يربطها بالألوان حسب رؤيته للأشياء من حوله وحسب مفهومة الخاص لدلالة اللون وماهيته والتي تجعل النص الشعري أكثر عمقاً في المشهد الصوري وتأثيرها الداخلي على ذاته عبر إيجاده شبكة علاقات لغوية مع اللون وما يحمله من دلالات سيميائية وعن طريق الانزياح لنظفر بدلالات ذهنية جديدة عن طريق تراسل الحواس. والأصفر للجفاف وللعطش والنار والغيره والأخضر للمحبه والسلام ومهجة المغرمّ والأبيض للحمام وللغمام وبيض ازاهيره والأسود لليالي والكحل والغامض المبهمّ والازرق للسما والبحر وأسفاره وأساطيره 6/6/2009 مــ |
العزيز , ابراهيم الشتوي , |
مُميّز ُ الفِكْر والرّؤيَة يَاإبْراهيم
كُل الشّكْر |
ابراهيم الشتوي .. الدراسات المنهجية للمضمون الإبداعي لا تخلو أبدآ من التطرق لجوانب الإشراق والإعتام في النصوص الشعرية وقد أسهب النقاد في هذا المجال , ولكنهم لم يتفقوا على بعد محدد لجمالية النص سواء لاشتماله على اللون كجوهر للفكرة أو مجرد عارض يحقق توازن شعري .. واللون يعد من الخصائص الحيوية التي تجعل للنص مذاق الطبيعة .. وأحيانا طعم الحياة الفطرية بكل عذريتها .. وقد قال أحد الشعراء في اللون : اشتهي لون ينبض بعشق امزون أغمس به الجنحان ثم انتفض بجنون وقال آخر : ما عندي إلا بياض أسلافي أزاوله مقياس اللون هنا جاء كرمز ولم يؤخذ به كحقيقة مسلمّة.. والبياض يعبر في النموذج الثاني عن الفخر وعراقة التاريخ , في حين جاء في الأول ممثلا عن عطش لتمرد العشق وجنونه .. إذن مابين الرمزية والحقيقة يتمثل الابداع بصور متعددة .. وهذه القاعدة لا تستثني الشعر الشعبي أيضآ .. طرحك كان غاية في الرقي شكرا سيدي |
( سقط مطراً )
أما الشاعرفهد عافت نلاحظ هنا مدى إدراكه بتأثير اللون فنيا بحيث تأخذ الصورة الشعرية عبرالألوان دينامية خاصة عبر لعبة ذكية تؤكد هيمنته على هذه التقنية الشعرية وتوظيفها بدقة متناهية عبر نصوصه يقول في نص " كيمياء الغي " وعن دلالالة اللون الأبيض : ألـــــتــــــفــــــتــــــك كـنــت الأشـبــه بعـشـبـه ويــــوم طــاح احـجـابـك الأبـيــض وشـلـتـه كـانـت الـريـح أثـمـرت فــي قذلـتـك مــــهـــــرٍ خـــصـــيــــب وفي نص ( الأبواب ) يمزج الحسي بالذهني وتحريك فاعلية اللون تعكس رؤيا فهد عافت السيميائية عن اللون البنفسجي والأزرق : والداخـلـة فــي حلمـهـا زوارهــا ! قــومــي هـــــو الـعــشــق احتـمـالات التـطـاول فــي الـبـنـا مـنـح البنفـسـج فـرصـة الـركـض انعتاق اجسادنا / المفـرق هـو العاشـق : جـنـونٍ يحـفـر فـكـبــد الـسـمـا مـن شـان دفـن الارض فــي الازرق ويـــــــــــــــا ... ازرق : يــابــعـــد .. وقـــــــرب ! يـا لمحـة فــي العـيـون الـغـرب ! يـا سقـف الكـون ! يـا لـون اللـون ! يــا حـبــر اقـلامـنـا المـعـجـون بالفوضـى , وطيـن العاقـل المجنـون ! يـــــــــــــــا ... ازرق : مـن الـلـي .. يـعـرف ان البـحـر : هـــــــــيــــــــــن ؟! ... قــال ... (( مـــن يـغــرق )) |
الصديق الأنيق ... وديع الأحمدي
ولمداخلتك الضوء إشراقة تسكب المزيد والفريد .. رؤيتك في غاية الدقة والعمق .. دمت مشرقاً مغدقاً .. تقديري . |
ابراهيم الشتوي عندما كتب بدر بن عبدالمحسن نص (المسافر) وكان محملاً بالفراق والحزن قال : (( الورد الأصفر )) قاصداً التعبير عن حالة الحزن علاوةً على أن الورد الأصفر تستخدمه الأسر (الأرستقراطية) في العزاء والمآتم. وأنا أجزم أن بدر بن عبدالمحسن كتب هذا النص ل ابراهيم الشتوي ومن يحمل وعي ابراهيم. موضوع جميل جداً ورائع. شكري لروحك الجميلة وتقديري لما تكتب |
أبراهيم الألوان أصبح لها علم ، وأصبحت أداة أسترخاء عند علماء النفس ، وهي تدخل في الأنظمة الحسية للأتصال النفسي الفعال ، ويكون نظامها النظام البصري . ولو فرضنا ان بعضالشعراء يحب تداولها نجده حتما ً ينتمي للنظام البصري . ومن المعلوم مدى اهميتها للأنسان ، لأنها خاصية للتقريب والتسديد و للتجاذب المرن والتخاطب العال ِ. شكرا ً لك أخوي أبراهيم على تسليط الضوء بثقافتك النيرة على هذه النقطة المهمة للشعر والشعراء . شكرا ً لك .... |
الساعة الآن 06:37 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.