منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (https://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (https://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   إني أراني وأراكَ من خلفِ كَتِفِ الزمن (https://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=20533)

فهد الطيّار 10-16-2009 03:10 AM

إني أراني وأراكَ من خلفِ كَتِفِ الزمن
 

لا زلتَ تذكّرُني مُعنّفًا بما كنتُ أقومُ به من عمل، تلومُني أنني ما كنتُ أسمعُ لما تنصحُ به، ولا زلتَ ذاك الصاحبَ الذي يُلحُّ في النصحِ ويريدُ أن أسمعَ له وأتحرَّكَ وفقَ ما يراهُ هو صوابًا.
هل تذكر؟ ذاك زمنٌ مرَّ وكأن لم يكُن، هو بعيدٌ جدًّا، وما زلتَ أنتَ قريبٌ من ذاك الصاحب القديم، ذاك الذي ينهاني دائمًا عن الإسرافِ في قراءةِ الكتب، ذاك الذي يقولُ أن ما جعلني أظلُّ عاطلًا فترةً طويلةً سوى قراءةِ الكتبِ والإنترنت، تريدُ بأي الوسائلِ أن تُصلِحَن، ظنًّا منكَ أنني ضالٌّ أحتاجُ مَن يُرشدَني إلى طريقِ الهُدى.
كم كنتُ أصبرُ على إلحاحكَ كثيرًا! يا الله! أسمعُ الآن إلحاحكَ عليَّ بالهاتفِ أن أقومَ بالتقدمِ لطلبِ العملِ في الشركةِ الفلانية، وإكمالِ البحث على الرغم من عدم وجود نتائجَ تبشرُ بأي خير، كنتُ أجاوبكَ أنه ما عمل دون واسطة، وإنني إذا ما سمعتُ لما تقولُ فإنني إذًا كمن يحاول الوقوفَ على الماء، وكنتَ تضربُ الأمثلةَ على نفسِك، وتنسى أن هناكَ آلافَ العاطلينَ عن العملِ لو سمعوكَ لمدُّوا إليك أيديَهُمُ سائلين إياكَ ما عندكَ من وظائِفٍ استهزاءً بك!
كان هناك أمرًا فيكَ مُتغيّرًا، فأنتَ حينذاك لم تكن كما كنتُ أعهدُك، ربما كان هناكَ شرطٌ ما أنت تشترطهُ في نفسكَ لقبول الأصدقاء، ويبدُو أنني وقتئذٍ كنت خاسرًا له!
العلاقةُ تموتُ هكذا يا صاحبي، فلا تحاول إصلاحي أكثر مما يجب، قدّمِ النصيحةَ ولا تُلِح، ولا تنتقد كثيرًا، ولا تتذمّرَ من كل شيء، ولا تشحَذَ لسانَك، ولا تهجِر، ولا تقسُ، فما بيننا رجلٌ مريضٌ؛ يحتاجُ منّا الرعايةَ على الدوام، فإن أنتَ أهملتَهُ فلن أقدرَ أنا وحدي على تطبيبِه، وإنَّ ما بيننا طفلٌ يحتاجُ إلى الدلالِ والاهتمام، وأنثًى تطلُبُ الحقَّ في النظرِ إليها بعينِ الإنصاف. كم كنتُ لا أعرفُك، وكم كنتَ لا تريدُ أن تضعَ نفسَكَ في موقفي، دائمًا تقيسُ الأمرَ على نفسِك، فتعممُ النظرَ على الجميع، وتعتقدُ أن الناسَ خُلقتَ بمثلِ ما أنت خُلقتَ منه.
آه.. ذاكَ زمنٌ انقضى، وكم أبتسمُ كلّما تذكرتُ تفاصيلَه.
أوه! تذكرتُ الآن ذاك الريالَ الذي كتبتَ عليه بالإنكليزيةِ تاريخَ اليومِ الذي كنّا نستعدُّ فيه لاختبارٍ في إحدى المواد، كنا نتّخذُ المساجدَ موطنًا حينها، وكتبتَ فيه: إلى صديقي ........ أهدي هذا الريال طمعًا في الخلودِ فيك. كنتُ أهزأ منكَ حينها، هل تذكر؟ كنتُ أقولُ: ريال! لو كتبتَ على مئةٍ لكانَ أفضل.
فقلتَ لي: المئةُ تطمعُ بصرفها أمّا الريالُ فلا، وبذا أُبقي هذا اليومَ خالدًا في ذاكرتك.
ابتسمتُ حينها وحفظته مثلَ ما أحفظُ زُجاجَاتِ عطري نظيفَةً تلمعُ.
وكانَ أن جاعَ يومًا أخي، فطلبَ من المطعمِ عشاءً ونقصهُ ريال، ففتّشَ غرفتي، ولسوءِ الحظ كنتُ حينها أضعُ الريالَ على المِنضدة، فرآهُ وأعطاهُ إلى صاحبِ المطعم! حينَ علمتُ غضبتُ على أخي أيّما غضبٍ، وكدتُ أن أُدخلَ يديَ في فمه لأُخرِجَ الطعامَ، وأجعلهُ يأكلهُ مرةً أخرى ولكن كما هيئتُهُ بعد مضغِه! عَلِمَ حينها أبي عنِ الأمرِ وقالَ يضحكُ: بسيطة أعطيك ريال ثاني.

"يا صاحبي.. علّمتني حبَّ الذكرياتِ على الرغم من كرهي لها، فأنا أجدُ الذكرياتِ سببًا رئيسًا لي في حُزني، فاللحظاتُ السعيدةُ ما أحبُ أن تمضي، وإذا ما مضت فلتمضي معها جميعُ أبعادِها، ولتصاحِبِ النسيان. ربما أنا بذلكَ جاهلٌ، وليكُن، فالجهلُ نعمةٌ في كثيرٍ من الأحيان، وقد تكونُ صفتي في هذا الأمرِ حسنةٌ لي. ومنكَ تعلمتُ الالتزامَ والإقدامَ دونَ القرار، وتعلمتُ تثمينَ اللحظاتِ واستغراقِها وتوثيقَ الابتسام، تعلمتُ منكَ كيفَ أحيا، -على الرغمِ من أن الحياةَ لا تُعَلَّمُ-، وكيف أضيفُ على حياتي توابلَ تجعلُها أذكَى، وتعلمتُ أيضًا قراءةَ الصحفِ، والاهتمامَ بالوطن، امتزتُ بك، وأحمدُ اللهَ لذلك.
يا أيها الرقيقُ حَدَّ الجفاف، ويا أيُّها الجافُّ حَدَّ الرقّة، ويا أيها النابهُ الذي لا يعمَى بصرُه."

ثم دع عنكَ هذا كلَّه، وتعالَ نتحدّثُ عن طلابنا وماذا تعلموا منّا اليوم، وماذا تعلمنا نحن بدورنا منهم. ودع عنكَ الأطفال، واتركهُم يلعبون، هل ستقيّدهم هم أيضًا عن اللعبِ كما كنتَ تحاولُ تقييدي عن الاستمتاعِ بالقراءةِ وحضورِ النوادي الأدبيّة! هيه يا عجوز.. فلتسبح معي في فلكٍ بعيدًا عن كل ما حولنا. اسمع.. أفكّرُ في زيارةِ مدينةٍ جديدة لم أزرها، ما رأيك.. هل تعتقدُ أنني مصيبٌ في ذلك!
...
يا عجوزُ كُفْ.. كُفَّ عن ضَرْبِ فخذي!


عطْرٌ وَ جَنَّة 10-16-2009 04:14 AM






منذّ الْبِداية حمّلني حَديثك عَلى الابتسام ,
الابتسام الَّذي يَعني بِأن هُنَالكَ وَرِيدٌ نَائِي فِي قَلْبي اسْتَيقظ وهو حَالم , مُتذكر , و مُتَعفّف فِي الحُزن .
تَعَاملك يَا فَهد مَع صَدِيقك فِي الْغِياب , مُدْهِش جداً و حَميم ..
واسترسالك كان منظوماً بِالمطر http://www.qamat.net/vb/images/smilies/a36.gif



فهد الطيّار 10-17-2009 02:10 AM


حقّاً! إنَّ ذلكَ أسعَدَني يا عطر وجنّة
يظلُمُنا الأصدقاء يا عطر أحيانًا، فيُهمِلُونَا ...

مُمتَنٌّ http://www.qamat.net/vb/images/smilies/a36.gif


حمد الرحيمي 10-18-2009 01:20 AM




مشاعر نقية تحملها روحك يا فهد ...



من خلال هذه الكلمات شعرت بوجود أوفياء على خارطة الأصدقاء ...






شكراً لك يا فهد ...

وئيد محمّد 10-18-2009 05:00 AM

يكفني العنوان , لأوقن بأنني سأقرأ شيئاً وفيا ً و جميلا .
وقد كان ذلك بحقّ .

وَرْد عسيري 10-18-2009 05:13 AM




تمنحُه الطِيب لأنك تعلمُ أن لا شيءَ يستطِعُ أن يكبحَ الطيِبَ ولا حتَى
الزمنَ و كتفه ، تضعُه جيداً في قلبكَ لتكتُبه و الذكرى كشفق ٍ حالم يشتاقُ
أن يضُمه و يرحل بهِ بعيداً .


كان الشجنُ مُؤنس يا فهد ، فشُكراً


-

عائشه المعمري 10-18-2009 02:37 PM

وكانَ أن جاعَ يومًا أخي، فطلبَ من المطعمِ عشاءً ونقصهُ ريال، ففتّشَ غرفتي، ولسوءِ الحظ كنتُ حينها أضعُ الريالَ على المِنضدة، فرآهُ وأعطاهُ إلى صاحبِ المطعم! حينَ علمتُ غضبتُ على أخي أيّما غضبٍ، وكدتُ أن أُدخلَ يديَ في فمه لأُخرِجَ الطعامَ، وأجعلهُ يأكلهُ مرةً أخرى ولكن كما هيئتُهُ بعد مضغِه! عَلِمَ حينها أبي عنِ الأمرِ وقالَ يضحكُ: بسيطة أعطيك ريال ثاني.

.
.



يكفي أنك أمتعتنا .
كـ عادة الذكريات ..
قادرة على قبض يد أذهاننا .
وإمتاعها حتى لو كانت الذكرى مرة ..

( وليكن قلبك غيمة )

شُكراً لك يا فهد

فرحَة النجدي 10-19-2009 05:42 AM

اقتباس:

فأنا أجدُ الذكرياتِ سببًا رئيسًا لي في حُزني،




و هذا ديدنها يا فهد ، حتى و إن كانت ذكريات جميلة فهي لا تبعث سوى الحزن _ و إن رسمت بسمة مؤقتة _ لمضيها دون عودة ..
و النسيان .! هذه نعمة و لكنها للأسف لم تُعطى لكثيرين منا ..

الريال ، شيء من ذاكرتي أيضاً :)


حقاً النص ممتع ،
شكراً لك ..


الساعة الآن 11:54 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.