![]() |
ذاتُ الـعـيـنـيـن الـواسـعــتَـيْـن
قيل لأمّها غداة ولادتها الصعبة : إنّها ابنة ؛ بعينين واسعتين ، تملؤهما الحياة .
ذاتُ العينين الواسعتين لم تكن مجرّد ابنة تضافُ لأربعٍ غيرها ! كانت إنسانة حقيقية ، و كانت سرّ سعادة من حولها . ذاتُ العينين الواسعتين كما قلنا سابقا ؛ إنسانة ، لها فمٌ يأكل ، و لسانٌ يتحدث ، و لها بالتأكيد قلبٌ ينبض . إنما تلك التعسة ؛ كان لها أيضا رأسٌ يدور بداخله الكثير الكثير ، الكثير مما لا يجب لمثلها أن يفكّر به . قيل لها : مهما فعلتِ يا عزيزتي ؛ لستِ أكثر من عينين واسعتين ، و قوام ممشوق في نظرهم ! ولكن ، حدث ـ ذات صدفةٍ ـ أنها التقت أحدهم ، و ذلك الأحدهم كان راهبا ورعا ، لم يحدث أنْ رأى عينيها الجميلتين بعينين متعطشتين ، أو أن أطلق العنان لخياله باحتواء قوامها الممشوق بين ذراعيه ، كلّ ما فعله ذلك الراهب أنّه حدّثها عن البحر ، و عن الليل ، و قال لها حكايات حدثت لتُنسى ، و أمطرها بصوته الشجيّ أنغام النّاي الحزينة ، قال لها كم أنّ الله يحبّنا ، و كم أنّه يهتمّ بنا ، ذلك الراهب رأى عقلها ، و سمع صوت أفكارها . فأخبرها ما تريد أن تسمعه ، و أخبرها ما احتاجت حقّا أن تسمعه . فحدّثته بدورها عن مشاكلها مع المؤسسة الدينية ، و أخبرته أنّها تحب أن تعبد الله بقلبها ، بطريقتها ، لا بخطوات سابقيها ، أخبرته عن نظريتها حول الموسيقى ، و استنكرت تحريمها و قد خلق الله نفسه هذه الموسيقى الكونية الرائعة ! باحت له بكرهها للتطرّف بكل أشكاله ، و أخبرته عن عشقها للشّكل المستطيل ، و ولعها بتربية النباتات السامّة ! حدثته أيضا أحاديثا جانبية كثيرة ؛ عن الأمن الغذائي ، و عن التيارات السياسية ، أخبرته كم أنّها تكره الظلم ، و تريد أن تكون جزءا من التغيير ، بسّطت له ازدواجيّتها ، و تركت سجيّتها تقودها أمامه ، قالت له بلهفة الأطفال : أنا مختلفة ؛ صدّقني أنا مختلفة ! فهزّ رأسه مؤيدا : أعلم يا صغيرتي ، أعلم ! و اخترعا عبادة جديدة و سرّية ، لها لذّة خاصة ، لم يحصل أن استطاع أحدهم فهمها ، أو حتى الانتباه لوجودها ! لم يخطر ببال أحدهم أنّ ترقّب شروق الشمس قد يكون شعيرة دينية يوميّة ! أو أنّ تنشّق الهواء ساعات الصباح الأولى قد يعتبر تقربا للرّب ، أو حتّى كثرة التبسّم التي اعتبراها قناة اتصالٍ مفتوحة مع الخالق يمكن أن تُفهم على أنّها تطرّف ! و قيل أنّها لم تصدّق فرحتها ؛ فتخلّت عن حذرها ، و طرحت خوفها أرضا ، فاعتلت نافذة غرفتها المفتوحة و قفزت لشدة الفرح . و قيل أنّها لم تقفز فرحا ، بل قفزت بعد أن ضاق صدرها الصغير بكتم ذاك السّر العذب ! و قيل أنّها تلقت صدمة مريرة ، بفضل ذلك الراهب ! و قيل أيضا أنّها رأت نفسها ـ لأوّل مرّة ـ بعينين واسعتين و قوامٍ ممشوق ، و تمنّت أن يراها أحدهم كذلك ، و لو لمرّة واحدة ! و قيل أنّ الرجل الوحيد الذي تمنّته أن يراها بتلك الطريقة ، كان أعمى تماما ! و قد قيل أنّ الجوّ وقتها كان حارّا جدّا ؛ لكنّ أمطارا حمراء غمرت حديقتهم بلزوجة عالية ! و قيل أيضا أنّها حطّت بسلام آمن ؛ و لكنّها من وقتها لم تنبس ببنت شفة . و قيل أيضا أنّهما كانتا توأما في الأصل ، إحداهما فُقدت لأسباب مجهولة ، والأخرى تلتزم الصمت حزنا على المفقودة ! و قيل أنّها قبل أن تقفز ، انزلقت فكسرت أطرافها ، ففاتتها شعائرها الدينية ، هي لم تلحق بها ، و الشعائر لم تنتظرها ! و لكنّ من أكثر ما قيل غرابة ، أنّها عاشت عمرا طويلا بعدها ، طويلا بما يكفي لتروي قصتها آلاف المرّات ، بمئات النهايات المضلّلة ! |
قد نمضي عُمراً بأكمله نبحث فيه عما ينقصنا .. وحين نجده نفقد لذّة الحياة روح .. هذا الشعورُ يجتاجني بعض الأحيان .. وجدتني هنا .. اكليلُ ياسمين يُعانقُ قلمكِ :34: |
يارُوح .. امتعتنا والله .. ولعل من نافلة القول أنها إلتقت سندبادَ ... فاخذت منه فن اختلاق القصص .. |
نحنُ نخترعُ النهايات بحسب ما توافقُ فكرنا
و لعلّ من أغرب النهايات تلكَ النهايات المفتوحة التي تركتها لنا لنسرحَ بعيدا في أعماقِ ذواتنا نفتشُ عن إجابة كنتِ أقرب لروايةِ قصّة بأسلوب مشوق ممتلئ بالعاطفـة أمتعتنـا برغمِ ما فيها من ألم عاجز كلّ الودّ لروحك و لـِ عينيها الواسعتين |
روح ماذا تفعلين بالحرف ياروح ليغدق علينا هذه العطايا روح لروحك التي امطرت مشاعري و لثمت مكامن الوجع بي كثير ود |
هل أخبرك ِ عنها ياروح ..!؟
قيل إنها ماتت قبل أن يولد الفرح في قلبها ... قبل أن تزرع في كف الحلم قصيدة يتيمة تُقرأ على قبرها ...! قبل أن ينمو في حديقة التطرف ألف فتوى لا تنتمي إلا لأقوام هلكوا بليلة ماطرة بالهم ..! وقيل إنها كانت تراه بعين قلبها .. وقيل أن ذلك الراهب لم يكن أعمى بل هي التي كانت ضريرة الفرح ..! وقيل يا روح ... أنها ما زالت تشرق بابتسامتها من شرفة نافذتها ... كلما طرق الحنين أبواب قلبها الموشم بالفقد للجزء المفقود منها ...! وما زالت هناك .. ونحن هنا نقرأ سرد لغوي شهي ... تمنينا أن لا يتوقف ...! |
دعيني أصفق أولا .. هذا ما أحتاج إليه لحظة نهايتي من قراءة النص ..
وكنت أقول مع نهاية النص .. ماذا لو تركت النص مفتوح النهاية بشكل أكبر .. أنت أوردت كل الإحتمالات التي قد تخطر على بال القارئ وأجمل لو تركتها تثير تساؤلا جميلا في ذهن القارئ ، لكن وجدتك انتقيت هذه الاحتمالات بشكل دقيق .. وكل احتمال يفتح للسائل نافذة أجمل . نعم هي القصة التي تتكرر كما قلت .. لكن النهايات تختلف .. لكن من يكتبها بهذه السلاسة في التعبير .. من يملك مفتاح قلب القارئ ليأخذه من تلابيب السطر الأول حتى خيوط السطر الأخير . لن أكثر عليك أيتها المبدعة .. يمكن لبعض الهنات أن تتلافيها بحرفيتك وقدرتك .. ألف تحية وتقدير |
اقتباس:
نمضيي الحياة بالبحث ، وعندما نمسك بالحلم نعرف فقط أنّ السعادة كانت طوال الوقت ترافقنا في الطريق .. كلّ الشكر لهذه الفرصة للتأمل .. وباقة بنفسج لكِ أيضا .. اقتباس:
من الرائع أن ترافق المتعة قرائي ، هذا شيء يسرّ النفس في الحقيقة و ربما نقول أنّها كانت هي السندباد ذاته ؟! كلّ الشكر والاحترام لك . |
الساعة الآن 09:26 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.