![]() |
رسالة إلى الحبّ .. !
أتذكرُ حينَ أتيتني محمّلاً بورودكَ الكثيرة ؟ كنتَ تُخفي عنّي جُرحكَ لأنّك كنتَ تعلمُ أنَّ كلَّ ما سبقكَ إلى روحي قد جرحني , الصّداقة و الطّفولة و الأخوّة , و حتّى الوطن .. لذا كنتَ تتعمّدُ أن تظهرَ أمامي بمظهرِ القادرِ على تحمّل الصّدمات , كنتَ قويّاً - أمامي - بالدّرجةِ الكافية لتقنعني بأنَّ القلبَ لا زالَ ينبضُ رغمَ دمهِ المتضاءل ! لا أعلمُ لمَ شعرتُ يومها بأنّ ذاكَ المتورّد على وجنتيكَ كانَ ندبةً لجرحٍ ليسَ بقديم , كلُّ محاولاتِ الفرحِ و الخجلِ لاغلاقه , كانَت توحي لي بأنّهُ نتاجَ جراحٍ كثيرة لا زلتَ تحاولُ رتقها مع كلِّ قلب ! المهمُّ بعدَ ذلكَ أنّي صدّقتك ,و فتحتُ قلبي لكَ و أودعتكَ ما بقيَ من دمهِ و أوكسجين رئته , و أنّني منذُ ذلكَ اليوم لم أرى قلبي إلا متورّداً بينَ يديك , سعيداً حتّى حينَ يتغلّبُ الفراقُ عليكَ في جولةٍ من جولاتِ الخيبةِ الكثيرة .. كنتُ أعلمُ أنّكَ كذلكَ دائماً , تهبُ النّاسَ الفرحَ و يضنّونَ عليكَ بهِ , يَنعتوكَ بالحزنِ و الوجع و أنتَ صدرُ أمِّهما الحنون الّتي تربّتُ عليهما كلّما ارتكبا ذنباً و عادا باكيين ! و كنتُ اعلمُ أنَّ و جعي و ذاكرتي سيفعلانِ الشّيءَ ذاتَهُ , قد يمسّانِ جرحكَ و قد يعاودانَ فتحهُ من جديد , ثمَّ سيعودانِ إليكَ بذاتِ اللهفةِ و البكاء , لتمسحَ رأسي و أثقُ أنّكَ لم تبرح قلبي مُذ عانقتَ أوّل نبضهِ .. ! |
رِسالة إلى " مُخلص " صَديقِ الطّفولةِ القديم , المغروسِ يعمقٍ في جذورِ الاشجار , الغارقِ في نُسغِ الأزهار , المُتكامل مع انطباعاتِ القمرِ على وجهِ نهرِ مدينتنا العتيق الرّاكدِ ليلاً تهجّداً و ايماناً بأنَّ الله في كلِّ مكان , و أنَّ الوفاءَ في مكانِ الكلّ : قربَ منزلنا حديقةٌ تُشبهُ تلكَ الّتي كنتَ تلمُّ أغصانَ أشجارها الّتي كسرها الصّبيةُ الآخرونَ , ثمَّ تمزِّقُ قميصكَ الأبيضَ و تلفّها بقطعهِ الغارقةِ برائحةِ طفولتكَ و ابتسامتكَ , و تُقنعني بنظرةٍ رجوليّة أنّها ستخضرُّ من جديد . كنتُ أصدقّكَ حتّى حينَ نُفاجئُ بها بعد أيّامٍ عدّةٍ ملقاةً على الأرضِ مع قطعِ قميصكَ الممزّق فتقولُ لي , أنَّها أغصانُ اخرى و أنَّ اغصانكَ تعافت و أثمرت ! كنتُ أصدِّقكَ بدمعةٍ , و كنتَ تدمعُ لي بصدقٍ . في الحديقةِ قرب منزلنا شجرةٌ , غُصنها مكسور و على جُذعها نقشَ طفلانِ صغيرانِ عبارةً كعبارتنا , و تعاهدا على الوفاءِ عهدَ طفولةٍ لا يُشبهُ الأغصانَ و قميصكَ الأبيض ! في الحديقةِ قربَ منزلنا , كنتُ أعدُّ على أغصانِ الشّجرةِ عمرَ السِّنينِ القادرةِ على الغياب , عُمرَ الأشياءِ الّتي تخذلنا و عددَ الأطفالِ الباكينَ في ليلةِ أوّلِّ الشِّتاءِ من كلِّ عام ! في الحديقةِ قرب منزلنا , قرأتُ على ثغرِ عصفورٍ , كيفَ يكونُ الحزنُ أقسى و أكبرَ منّا , وكيفَ تتحوّلُ ريشاتُ الحُلمِ فجأةً إلى ضباب , و كيفَ يُغلقُ بابُ القفصِ على أجنحتنا و يُهدي نومنا للعدم ! في الحديقةِ قرب منزلنا , تذكّرتُ قميصكَ الأبيض و أغصانكَ التي تُعاودُ الالتئام , و ثِمارَ كذبتكَ النّاضجة , و عهدنا الموؤد ! |
الساعة الآن 03:12 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.