![]() |
- لماذا أنت هُنا ؟ السّؤالُ الأوّلُ الّذي وضعني أمامَ نفسي وحيدةً بلا وطن , لماذا أنا هُنا و اختَفت كلُّ الإجاباتِ التّائهةِ و المرواغةِ , لم يبقَ سوى اجابةٍ وحيدةٍ .. أنا ! بلا كسرةٍ تكسرُ ظهرَ كلَّ ما سيُقالُ بعدها و لا فتحةٍ تفتحُ كلَّ الأبوابِ , بدونِ تذكيرٍ أو تأنيث . لأنّك وحدك المعني , أنتَ فقط , سواءً لحقَ بكَ عارُ التّاءِ أم لم يفعل ! لم أشعر قبلاً بأنّ ياءَ المتكلّمِ لا تعاني الأنانيّة و أنَّ الإجابةَ بأنا وحدي , ليسَت نوعاً من التّنكّرِ لأحد . كانَ كلُّ شيءٍ دائماً يٌعاني الجمع و يرزحُ تحتَ أرقِ الانتماءِ للكلّ , لا شيءَ يخصُّكَ وحدكَ , حتّى أشياؤكَ الصّغيرة و أجزاءُ جسدك تخضعُ لمعاييرِ الجمعِ و تُقاسي الحرمانَ من الاختلاف . أنا .. حتّى أقولَها أحتاجُ ان أخلَعَ كاتمَ الصّوتِ عن أفكاري , ثمَّ أطلقَها بلا خوفٍ من كونها عياراتٍ طائشة قد تُصيبُ أحدهم في مقتلٍ في قلبِ أنانيّته . - جئتُ هُنا , لكي ... لكي أتعلّمَ الكلام ! |
لا شيءَ يُعرّفكَ سواك , أنتَ جوازُ سفركَ الوحيد , هكذا يقولُ الوطنُ المُختبِئُ في صوتِك . خاطبتني أرضُ المطارِ و الوجوهُ الغريبةً و عرباتُ الحقائبِ و المفتّشونَ و الوجوهُ الّتي تنتظرُ بلهفةِ الحنينِ و وجعِ البُعدِ و أملِ البداياتِ الجديدة , كلُّ شيءٍ كانَ يتحدّثُ حولي بلغةٍ واحدة . و في لحظةٍ ما وجدتني أفهمُ جميعَ لُغاتِ العالم و أُدرِكُ كيفَ يصنعُ البشرُ الأوطانَ , منطلقينَ من وطنٍ أصيلٍ صغيرٍ وحيدٍ منبوذٍ في دواخلهم ومُسيطرٍ على ذاكرتهم . خطوتينِ فقط تفصلك عن عالمٍ آخر , قادرٍ على أن يُقدِّمَ لكَ ذاتَكَ و حبّك و حريّتكَ و رغباتِكَ و أحلامكَ و خذلانكَ على طبقٍ خاصٍّ بكَ وحدَك , رغمَ كلِّ البردِ الّذي قد يُحاصرُ رئتيكَ و يُجمِّدُ قلبك ! |
لا تفتّشوا حقائبي , ليسَ معي سوى تذكرةِ طفولَتي و آهٍ صغيرةٍ و كتابٍ كانَ يغفو على صدرِ أبي ! لا تفتّشوا حقائبي , ليسَ معي سوى الوطن ! حقيبتي تتثاقلُ خلفي , شيءٌ ما يجرّها إلى الخلف و يدفعني أنا إلى الخوف و على كتفي أخرى تحاولُ أن تسبقني , شيءٌ ما يصرخُ فيَّ : اذهبي و آخرَ يُمسكني من قلبي ... عندما تسافر , اقبض على الوطن بصدرك و استنشق هواءاً آخرَ لتُدركَ أنّ الوطنَ ليسَ في قلبكَ , بل هوَ قلبكَ ذاته ! |
الساعة الآن 04:42 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.