تحية طيبة أقدمها لكم جميعا ..

أثارني وأثار حفيظتي الموضوع الذي طرحته الاخت "أصيلة المعمري" حول السحر في عمان والذي سردت فيه بعض القصص التي تدعي أنها واقعية .. وما أثار حفيظتي أكثر هو إصرار الكاتبة على التأكيد بواقعية هذه القصص وهو ما نوهت به عدة مرات بلفظة "على ذمتي ..!!"

ثم ما هو وجه الفخر الذي تنشده الكاتبة وراء لصق السحر بإسم بلدها .! .. أليس هناك مجالات يمكن الاشادة بها والتفاخر بها غير السحر ؟!!

وقبل كل شئ أود أن أطرح تساؤلات راودتني لحظة قراءة الموضوع وهي :

ما الذي ترمي إليه أصيلة في هذا الموضوع؟ ..
وما دخل أبعاد العام بهكذا خزعبلات لا تسمن ولا تغني من جوع؟ ..
وهل أضاف الموضوع شيئا للوعي العام وللثقافة العامة او الخاصة ؟!!
ثم ما علاقة أعضاء أبعاد بمسألة السحر خصوصا أن الموضوع طرح على هيئة روايات وقصص وليس لغرض المناقشة أي لا طائل من وراءه !!


إنني أحترم خيارات البعض في إختيار أطروحاتهم والمواضيع التي يرغبون تناولها لكن ان يمس الموضوع بلدي بنوع من التشويه للسمعه وللتاريخ وللحضارة فذلك خط أحمر تم تجاوزه .. فالحديث عن حتمية تواجد السحر في عمان وفي كل مناطقها هو تشويه لحضارة هذا البلد وللكنز المعرفي والديني والاخلاقي الذي عرف به من شماله لجنوبه... فانتشار قصص السحر والجن هو رديف لمعنى التخلف الحضاري والديني وهو امر يتنافى مع طبيعة الشعب العماني .. هذا فضلا عن أن ما اشتهرت به عمان هو علماؤها وفقهاؤها وشعراؤها وكرامات بعض الربانيين فيها ..

ودون خوض في النيات فالاولى بالمرء التفكير فيما سيقوله وما الذي سيؤدي إليه الموضوع خصوصا وأنه طرح أمام آلاف المتصفحين لموقع شهير كأبعاد ..! .. فهل ستتحمل الكاتبة في ذمتها اعتقاد المتصفحين الصادق حول صحة هذه القصص؟!! وماذا لو ظهر عدم وقوع هذه القصص فيما بعد؟!! .. كيف سنعيد للقراء نقاء نظرتهم النقية لهذا البلد !!

عليه ومن هذا المكان أحب أن أؤكد على أن كل القصص التي وردت في موضوع الاخت أصيلة هي محض أساطير وأكاذيب سمعناها في كل مكان في الاردن وفي المغرب وفي مصر وفي باكستان الخ .. نقلتها الكاتبة عن فلان عن فلان في سند يمتد الى مئات السنين ضاعت خلالها الحقيقة في دوامة الكذب .. فتداولها الناس في زمن كانت فيه البلد معزولة عن العالم الخارجي بحكم المشاكل والفتن الداخلية والتي عمت كل مناطقها مما حدا بالناس للاتجاه للشعوذة كنوع من الحل لمشاكل نفسية واقتصادية فظهرت الخرافات ومورس الدجل وغاب الوعي الديني ونقص مستوى الايمان وهذا شان كل البلاد العربية التي طالها ما طالها من عزلة حضارية في فترة من الفترات ..

إن المناطق الداخلية من عمان تحديدا كانت مرتعا للعلم والدين وكانت تزخر بالمدارس الدينية وتحفيظ القران وتعليم الحديث وهذا ثابت في كل السير والدليل هو الكم الهائل من الكتب في اللغة والفقه والعقائد والشعر والادب ومختلف انواع العلوم كالطب والرياضيات والفلك وما شابه الذي تحتفظ به وزارة التراث وكثير من الاسر العريقة بهذه الولاية..

وعندما فقد العلم وانقرضت المدارس وغاب العلماء والفقهاء اتجه الناس للغيبيات والدجل ظهرت حكايات السحر والخرافات التي ما انزل الله بها من سلطان ..وهي حكايا متكررة شاذة لا مجال لدخولها باب العقل اطلاقا ..

وهنا اعود اليك يا اصيلة .. واعود إلى تساؤلات ربما ستختلقي عشرات الاعذار لعدم صحة فرضيتها .. ألم يكن الاجدى بك يا أصيلة التحدث عن ما تزخر به عمان من كنوز حضارية من تراث وفنون وكنوز طبيعية كجبال وجزر ومواقع سياحية او الحديث عن ادباء عمانيون شاركو في نهضة الادب في العالم العربي كأمثال أبو مسلم البهلاني وعبدالله بن صخر العامري وسيف الرحبي أو عن صور الحضارة المعاصرة كالمؤسسات الحديثة والأنشطة الثقافية والاجتماعية أو عن بعض العادات الأصيلة - يا أصيلة- والتي لم تنقرض بفضل التمدن والتحضر .. ألم يكن الاجدى الحديث عن ذلك بدلا عن الحديث عن السحر والخرافات والتي بالتاكيد لم تضف الى القارئ سوى فكرة سوداوية عن بلدك في وقت يبحث فيه الاخرون عن أدنى أوجه التميز في بلادهم ليتغنو به في المحافل ؟؟ فكيف وبلدك يزخر بكل ما هو جميل وعريق ونقي .. !